القصاص يكتب : التنمر الالكتروني .. وجهه نظر

 د. مالك القصاص

التنمر الالكتروني هو سلوك متعمد ومتكرر وعدائي عبر الانترنت، ويتمثل في استخدام الوسائل والتقنيات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والرسائل، والبريد الإلكتروني، ومنصات الألعاب الإلكترونية، والهواتف الخلوية، بهدف الإساءة، أو الإهانة، او الايذاء، او التخويف، أو التهديد، أو التشهير بالآخرين.

ومن أبرز مظاهر هذا التنمر إرسال رسائل أو صور أو مقاطع فيديو مؤذية أو مسيئة أو تهديدات عبر المنصات الرقمية، وانتحال هوية شخص بهدف تشويه سمعته أو الإضرار به، بالإضافة إلى نشر الأكاذيب والشائعات عنه، والتهكم والسخرية عبر تعليقات على منصات التواصل الاجتماعي، وممارسة التحرش الإلكتروني.

في ذات السياق، وبحسب العديد من الدراسات هناك العديد من الآثار السلبية للتنمر الإلكتروني، ومن اهمها النفسية والمعنوية والاجتماعية، مثل القلق، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، والعزلة، والانسحاب من العلاقات، وضعف التواصل وغيرها. وبالإضافة الى ذلك، الاثار الأكاديمية والوظيفية، مثل انخفاض التحصيل الدراسي والعلمي، والتأثير على الأداء الوظيفي.

على الصعيد الإيطالي، افاد تقرير ل "Osservatorio indifesa" بأن 63% من المراهقين الإيطاليين تعرضوا للتنمر، و19% منهم واجهوا تنمرًا إلكترونيًا. كما ووضح التقرير ان من أبرز الأماكن التي يحدث فيها التنمر هي المدارس (66%) والإنترنت (39%).

بالإضافة الى ذلك، بين التقرير ان التنمر أدى الى تأثيرات نفسية خطيرة مثل فقدان الثقة بالنفس (75%)، والقلق الاجتماعي ونوبات الهلع (47%)، والعزلة الاجتماعية (45%).

كما وأظهرت دراسة أجرتها Facile.it بالتعاون مع مكاتب mUp Research وNorstat، انه تعرض 550 الف شاب إيطالي ما بين 18–24 عامًا لممارسات التنمر الإلكتروني، وهذا يعني ان 13.1% من الشباب ضمن هذه الفئة العمرية، مقارنة بـ3.2% على مستوى السكان الكلي.

في ذات الشأن، قامت إيطاليا بعمل العديد من الاستراتيجيات للحد من ظاهرة التنمر وخصوصا بين الأطفال والمراهقين، فعلى سبيل المثال، قامت بعمل قانون 71/2017 (La legge n. 71 del 2017, di prevenzione e contrasto del cyberbullismo) والذي يعد من اهم القوانين لمكافحة التنمر الإلكتروني.

كما وقامت بعمل قانون 2024/70 (legge 70/2024 su bullismo e cyber bullismo) والذي يعزز القانون السابق بهدف حماية القاصرين، من خلال التركيز على الوقاية والتدخل التربوي، مع إشراك المدارس والسلطات المحلية في جهود مكافحة التنمر الإلكتروني.

أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني مشكلة التنمر الإلكتروني والذي يعتبرمن أخطر أشكال الإساءة في العصر الرقمي، واسأل نفسي: هل يمكن عمل استراتيجية متكاملة للعمل على الحد من هذه الظاهرة، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الاخرى؟

اليوم، نحن بأمس الحاجة إلى استراتيجية متكاملة لإصلاح وتحديث القوانين والتشريعات وبالشراكة مع كافة الأطراف المعنية كالمدارس والجامعات والسلطات المحلية والأجهزة الأمنية، لتعزيز جهود مكافحة التنمر الإلكتروني، وخصوصا انها أصبحت الظاهرة أكثر شيوعاً في مجتمعنا، لاسيما بين الأطفال والشباب، مما يساهم في التنمية المتوازنة، وكذلك لتعزيز الاستقرار الاجتماعي ومنع الجريمة.

ومن الجدير بالذكر، انه ومن خلال تجربتي كعضو منتخب للمجلس الاستشاري للمدرسة وعضو في اللجنة التنفيذية، والتزاما بقانون 2024/70، فقد قمنا بعمل لجنة مراقبة ورصد (Tavolo permanente di monitoraggio per la prevenzione del bullismo e cyberbullismo) بهدف الوقاية من التنمر. كما وتسعى هذه اللجنة إلى تعزيز بيئة مدرسية آمنة وخالية من مظاهر التنمر، من خلال تعاونها مع كافة الجهات المعنية لتنفيذ برامج ومبادرات توعوية تُشرك الطلاب وأولياء الأمور وكافة الكوادر التربوية، بهدف رفع الوعي بمخاطر التنمر. وتعمل أيضا على تقديم الدعم اللازم للضحايا، سواء من خلال الدعم النفسي أو توفير إجراءات الحماية المناسبة، بما يضمن سلامتهم داخل البيئة المدرسية.