البستنجي لـ"أخبار الأردن": مقترح هدنة غزة القادم أشبه بـ"الفقاعة"

•    لا يتضمن المقترح التزامًا صريحًا بوقف نهائي للحرب
•    حق إسرائيل استئناف العمليات العسكرية في أي وقت
•    تحكم شبه كامل على الممرات والمعابر والمساعدات الإنسانية
•    جدول زمني معقد للإفراج التدريجي عن الأسرى
•    تدفق فوري للمساعدات الإنسانية وفق اتفاق 19 يناير
•    انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل مرحلي
•    ترسيم حدود هذه الانسحابات خلال مفاوضات عاجلة تبدأ فور توقيع الإطار العام للمقترح
•    عمليات تبادل الأسرى ستُجرى "دون احتفالات أو استعراضات"
•    حركة حماس ستقدم معلومات وأدلة عن مصير الأسرى المتبقين لديها
•    التزام إسرائيل بتقديم معلومات كاملة عن الفلسطينيين الذين اعتُقلوا من غزة منذ السابع من أكتوبر 2023

 

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إنه وسط تصاعد القصف وتضاؤل الخيارات أمام الأطراف كافة، تكشف تسريبات متعددة، عن تفاصيل مقترح أمريكي جديد يقف على عتبة الإعلان الرسمي، يتبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويستند في جوهره إلى صياغة هدنة مؤقتة تغلفها وعود بعملية تفاوضية مفتوحة، دون أن تتضمن في نصّها التزامًا صريحًا بوقف نهائي للحرب.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا المقترح يأتي في سياق تحرك أمريكي مزدوج الغاية، فمن جهة، يسعى بشكل حثيث لتسويق هدنة إنسانية مؤقتة قد تخفف الضغط الدولي عن إسرائيل، ومن جهة أخرى، إبقاء ملامح الترتيبات النهائية مفتوحة على احتمالات قابلة للمراجعة، وفق ميزان القوى الميداني المتغير.

ولفت البستنجي الانتباه إلى أن إدارة تنفيذ هذا المقترح وتفاصيله أوكلت إلى مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، الذي سبق وقدّم مبادرة مماثلة قبل نحو ثلاثة أشهر، لم تجد سبيلها للنجاح حينذاك، لتعود اليوم مع تعديلات محدودة تُحافظ على جوهرها الأساسي.

ونوّه إلى أن المقترح، يتضمن حق إسرائيل استئناف العمليات العسكرية في أي وقت، محتفظةً – وفق النصوص المسرّبة – بتحكم شبه كامل على الممرات والمعابر والمساعدات الإنسانية، فضلًا عن ضبط عملية إعادة الإعمار عبر آليات تُركت تفاصيلها للمرحلة اللاحقة، وهو ما دفع بعض الأوساط اليمينية المتشددة داخل إسرائيل إلى نعته بـ"أوسلو ٣"، في إشارة إلى اتفاقيات أوسلو التي أسست لمرحلة تفاوضية ممتدة بلا سقف زمني واضح، دون تقديم مكاسب ميدانية حقيقية للفلسطينيين.

وأردف البستنجي أن المقترح يتضمن في نسخته الحالية الإعلان عن هدنة تمتد لستين يومًا، تضمن استمراريتها "ضمانة شخصية" من ترامب نفسه، دون أن يتعهد الإسرائيليون بوقف شامل ودائم للحرب، ويندرج في طيات الهدنة جدول زمني معقد للإفراج التدريجي عن عشرة أسرى أحياء وثمانية عشر جثمانًا، يُنفذ على مراحل تبدأ من اليوم الأول للاتفاق، إذ يُفرج بدايةً عن ثمانية أسرى أحياء، يليهم في اليوم السابع تسليم خمسة جثامين، ثم خمسة جثامين أخرى في اليوم الثلاثين، وأسيرين حيين في اليوم الخمسين، وصولًا إلى اليوم الستين الذي يشهد تسليم الدفعة الأخيرة المكونة من ثمانية جثامين.

وأشار إلى أنه سيُدرج كذلك بندًا يضمن تدفقًا فوريًا للمساعدات الإنسانية وفق اتفاق 19 يناير، بمشاركة الأمم المتحدة والهلال الأحمر، وبما يُوصف بـ"الكميات الكافية" لتغطية الاحتياجات الأساسية خلال فترة الهدنة.

وبين سطور المقترح، يُسجَّل اتفاق على انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل مرحلي، ففي اليوم الأول، وعقب الإفراج عن الأسرى الثمانية الأحياء، يتم الانسحاب من مناطق في شمال غزة، وفق خرائط يُتفق عليها بشكل تفصيلي لاحقًا؛ ثم في اليوم السابع، إثر استلام الجثامين الخمسة، يُنفذ انسحاب ثانٍ من مناطق محددة في الجنوب، وتُناط بفرق فنية مهمّة ترسيم حدود هذه الانسحابات خلال مفاوضات عاجلة تبدأ فور توقيع الإطار العام للمقترح.

غير أنّ هذه الانسحابات لا تكتسب طابعًا استراتيجيًا شاملًا، إذ تظل محكومة بالاشتراطات الأمنية الإسرائيلية التي تُبقي جزءًا من القوات على الأرض، فضلًا عن سيطرة تل أبيب المستمرة على الممرات الحدودية وآليات الإعمار.

ومن المفارقات اللافتة أن النص يُؤسس منذ اليوم الأول لانطلاق الهدنة لبدء مفاوضات حول وقف دائم لإطلاق النار، تُعالج أربع قضايا مركزية تتمثل في استكمال تبادل الأسرى، والترتيبات الأمنية طويلة الأمد في غزة، وترتيبات "اليوم التالي" بما يشمل الإدارة المدنية والأمنية، وأخيرًا إعلان رسمي لوقف شامل ودائم للعمليات القتالية، وفقًا لما ذكره البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وفي خطوة تهدف – على ما يبدو – إلى كبح الأثر الإعلامي والرمزي، يُنصّ على أن عمليات تبادل الأسرى اللاحقة ستُجرى "دون احتفالات أو استعراضات"، حفاظًا على مناخ تفاوضي هادئ، كما يتضمّن المقترح بندًا تفصيليًا يلزم حركة حماس في اليوم العاشر من بدء الهدنة بتقديم معلومات وأدلة وتقارير طبية عن مصير الأسرى المتبقين لديها، مقابل التزام إسرائيل بتقديم معلومات كاملة عن الفلسطينيين الذين اعتُقلوا من غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.

وأردف البستنجي أن هذا المقترح يكشف عن مساعٍ تفاوضية لإنتاج هدنة طويلة بوسائل قصيرة الأمد، فبينما يُقدَّم للعالم باعتباره خطوة إنسانية عاجلة لتخفيف المعاناة الميدانية، يحرص في العمق على ترك الملفات الجوهرية رهينة مفاوضات لاحقة غير محكومة بسقف زمني صارم، ما يمنح إسرائيل مساحة واسعة لإعادة التموضع عسكريًا وسياسيًا.

وذكر أن بقاء السيطرة الإسرائيلية على الأرض، مقرونًا بحق العودة إلى العمليات العسكرية، يُحوّل الهدنة إلى "استراحة مقاتل" تُستغل لإعادة تنظيم الصفوف وفرض شروط تفاوض أكثر تصلبًا، بالمقابل، يعتبر المدافعون عن المبادرة أنّها تُشكل على الأقل فرصة إنسانية عاجلة تُخفف المعاناة الكارثية للمدنيين، وتفتح نافذة قد تُستثمر لاحقًا لدفع الأطراف إلى تسوية أكثر شمولًا.

واختتم البستنجي حديثه بالتساؤل حول ما إذا سيكتب لهذا المقترح – الذي جرى تطعيمه بلمسة ترامب السياسية – النجاح في بيئة إقليمية ودولية محتقنة، أم أنّه، كغيره من المبادرات السابقة، سيبقى وثيقة مؤقتة تُدوّن في سجلات المحاولات التي لم تُفلح في وقف نزيف الدم أو كسر حلقة العنف المتكررة؟