عايش لـ"أخبار الأردن": المملكة أمام سباق استثماري إقليمي محتدم
قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إنه بات من الضروري، بل من الحتمي، أن يُعيد الأردن موضعة نفسه ضمن خارطة التنافس الإقليمي على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن المملكة لم تعد بمنأى عن ضغوط متزايدة تمارسها قوى إقليمية صاعدة – لا تقتصر على الدول الخليجية فحسب، وإنما تمتد لتشمل العراق وسوريا – وهو ما يفرض بالضرورة تجاوز الحالة التقليدية القائمة على التلقي، باتجاه تفعيل استراتيجيات استباقية تُعزز من جاذبية البيئة الاستثمارية وتُعيد تعريف دور الدولة كمحفّز ديناميكي للاستثمار لا كمراقب بيروقراطي له.
ونوّه عايش إلى أن الاقتصار على احتساب عدد المستثمرين المجنسين يُعد اختزالًا سطحيًا لمعادلة الاستثمار، ما لم يُقترن بتحليل نوعي يُقيم جدوى هذه الاستثمارات من منظور أثرها التراكمي على مؤشرات الاقتصاد الكلي، لا سيما الإيرادات الضريبية، وخلق الوظائف المستدامة، وتنشيط القطاعات الإنتاجية والخدمية، مؤكدًا الحاجة الملحة إلى مراجعة منهجية نقدية للسياسات المعمول بها، قائمة على الشفافية والإفصاح الدوري من خلال تقارير رسمية صادرة عن المؤسسات الحكومية المعنية.
وبالرغم من التحسن الملحوظ في أداء الاستثمارات خلال الربع الأول من عام 2024، حيث قُدرت الكُلفة الكلية لها بين 250 إلى 300 مليون دينار، بما يشمل 1.16 مليار دينار كاستثمارات أجنبية مباشرة، إلا أن هذا التحسن يظل – وفق منظور عايش – دون الطموح الاستراتيجي المنشود، إذ لا تكفي الأرقام ما لم تُترجم إلى تحولات هيكلية في بنية الاقتصاد، من خلال التركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية كـالصناعات المعرفية، والتكنولوجيا المتقدمة، والابتكار الصناعي والخدمي.
وحذّر عايش من مغبّة تحول برنامج منح الجنسية مقابل الاستثمار إلى مجرد أداة دعائية تفتقر إلى العمق الاقتصادي، داعيًا إلى ربطه بأطر تقييم شاملة تستند إلى مفاهيم العائد المضاعف، والمردود المستدام، والتوزيع العادل للعوائد الجغرافية والاجتماعية.
ولفت الانتباه إلى أن تحويل برنامج الجنسية والإقامة مقابل الاستثمار إلى أداة اقتصادية استراتيجية، يتطلّب وجود هيكل حوكمي متكامل يُشرف على ضبط المسارات الاستثمارية، سواء تلك التي تتصل بشراء الأسهم، أو إنشاء مشاريع جديدة، أو الدخول كشريك رأسمالي في مشاريع قائمة، وفي جميع الحالات، لا بد من ضمانات تشريعية ومؤسسية تضمن أصالة الاستثمار، وتجذّره، وارتباطه بأفق طويل المدى، بما يمنع تحوّله إلى مجرد وسيلة لـ"التجنيس الاقتصادي" من دون مضمون حقيقي.
وأشار عايش إلى أن فلسفة البرنامج ارتكزت على شروط زمنية ومكانية صارمة، أبرزها فترة استثمار لا تقل عن ثلاث سنوات، إلى جانب توجه واضح نحو تفكيك التمركز الاستثماري في عمّان، وتوزيع المشاريع على المحافظات، بما يعزز من فرص تنمية متوازنة ويحدّ من التفاوت التنموي.
ومن أبرز ملامح التصميم الفني للبرنامج، وفق ما بيّنه عايش، هو اشتراط تنويع مسارات الاستثمار لتقليل المخاطر النظامية، مثل توزيع مليون دينار على خمس شركات في سوق الأسهم، أو الدخول في مشاريع بقيمة تفوق المليون دينار وتوفير 20 فرصة عمل جديدة، أو الحفاظ على مشاريع قائمة مع صيانة 90% من الوظائف، وهو ما يُترجم في المحصلة إلى أدوات مرنة لتقليل التركّز وتقليل هشاشة سوق العمل.
أما فيما يخص القطاعات ذات الأولوية الوطنية، فقد تم تخصيص منح الجنسية للمستثمرين في مجالات تتسم بالحيوية السيادية كـالصناعات الدوائية، والتخزين الغذائي، والمراكز اللوجستية، والمستلزمات الطبية، شريطة أن تُحدث هذه الاستثمارات أثرًا مجتمعيًا واضحًا، عبر توفير ما لا يقل عن 100 إلى 150 وظيفة موثقة عبر بيانات الضمان الاجتماعي، ما يضفي مصداقية محاسبية على عملية التقييم.