غزة وحيدة في مهبّ العاصفة... تفكك محور المقاومة وانكفاء عربي واضح
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر حوارات إن القراءة المتأنية للمشهد الراهن تكشف عن مسارات متشابكة تفضي جميعها، وبصورة شبه حتمية، إلى عزلة غزة سياسيًا وميدانيًا.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن محور المقاومة، الذي طالما شُكّل في الخطاب العربي والإسلامي باعتباره رافعة إستراتيجية لمعادلة الردع في مواجهة إسرائيل، قد أصابه تفكك شبه كامل، مضيفًا أن حزب الله، بات منشغلًا بانكفاء داخلي فرضته اعتبارات سياسية وأمنية دقيقة تتعلق بالساحة اللبنانية المثقلة بالأزمات، أمّا إيران، التي تصدّرت لعقود عنوان المواجهة الشاملة، فقد انزلقت هي الأخرى في مواجهة مباشرة ومفتوحة مع إسرائيل حول ملفها النووي والصاروخي، دون أن تُبدي التزامًا فعليًا أو حتى خطابًا مركزًا تجاه غزة أو القضية الفلسطينية، بل بدا أن أولوياتها انتقلت إلى معارك تثبيت النفوذ الاستراتيجي وردع الاختراقات الإسرائيلية داخل أراضيها.
وأشار الحوارات إلى أن سوريا، التي مثّلت في حقب سابقة رئةً للمقاومة الفلسطينية، فقد تراجع حضورها إلى حدود الغياب شبه التام بفعل تعقيدات الصراع الداخلي والإقليمي، في حين جاءت تدخلات الحوثيين رمزية ومحدودة الأثر، دون قدرة حقيقية على إحداث اختراق نوعي في معادلة الصراع.
ولفت الانتباه إلى أنّ المشهد العربي الرسمي لم يبدِ، خلال الشهور الأخيرة، سوى تفاعل إنساني يفتقر إلى البُعد السياسي القادر على إحداث ضغط نوعي لتغيير الوقائع الميدانية، إذ غاب ذلك "الزخم العربي" الذي كان يمكن أن يتحوّل إلى رافعة تُعطي الفلسطينيين أوراق قوة تفاوضية أو حتى تُفرِض سقفًا سياسياً على إسرائيل لوقف عدوانها.
ونوّه إلى أن هذا المشهد المعقّد ظهر بفعل قناعةٍ ترسّخت في بعض الأوساط العربية والدولية بأن الصراع بين إسرائيل وحماس دخل منطقة "الصِدام الصفري"، فإسرائيل ترى أن هدفها غير القابل للتفاوض يتمثّل في القضاء المادي والسياسي على حماس، تفكيك بنيتها العسكرية، وإخراجها من المشهد كليًا، مقابل الحصول على أسراها أو جثامين جنودها، وفي المقابل، تصرّ حماس على البقاء كفاعل سياسي في القطاع على الأقل، وتحقيق وقف لإطلاق النار يفتح أفقًا سياسيًا جديدًا، وهو ما تعتبره إسرائيل غير مقبول استراتيجيًا.
أما الولايات المتحدة، وعلى الرغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء الحرب، إلا أن ذلك ظل محكومًا بإطارٍ ضيّق، هدفه الأقصى صناعة إنجاز يُسجل له في سياق سياسي شخصي، يقوم عمليًا على انتزاع تنازلات واسعة من حماس لصالح تل أبيب، وهو ما ترفضه الحركة مبدئيًا باعتباره ينال من جوهر مشروعها المقاوم، وفقًا لما قاله الحوارات لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر أن كل ذلك أسهم في تكريس حالة العزلة التي تعيشها حماس في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، فأوراق الحركة الإستراتيجية انحسرت تدريجيًا؛ بدءًا من قدراتها العملياتية المحدودة في مهاجمة جيش الاحتلال، مرورًا بملف الأسرى الذي فقد الكثير من قيمته التفاوضية مع تفاقم حجم الدمار الإنساني والعمراني في غزة، وصولًا إلى حالة الإرهاق الشعبي في ظل مشهدٍ إنساني كارثي يتجلى في الجوع والحصار واليأس، يقابله صمت دولي يصل حدّ اللامبالاة المخجلة.
وأردف أن استمرار الوضع الراهن في غزة بهذه الوحشية والتدمير الممنهج لا يمكن أن يستمر طويلًا دون تداعيات كارثية أبعد مدى، فهو لا يهدد النسيج المجتمعي والسكاني للقطاع، وإنما يطرح أيضًا أسئلة كبرى حول جوهر القضية الفلسطينية نفسها ومستقبلها في ظل نظام إقليمي يعاد تشكليه دون أن تكون غزة جزءًا فاعلًا فيه.
واختتم الحوارات حديثه بالإشارة إلى أن غزة اليوم تبقى في قلب زلزال جيواستراتيجي تدفع وحدها كلفة تحوّلاته الكبرى، فيما يقف العالم، رسميًا وشعبيًا، في معظم الأحيان، موقف المتفرّج الذي يكتفي بالبيانات الإنسانية، تاركًا لأهلها ثمن الأمل الغالي جدًا، والمتمثل في صمود يتجاوز حدود القدرة البشرية، وإيمان بعدالة قضيةٍ باتت وحيدة في مواجهة ميزان قوى غير مسبوق في اختلاله.