البراري يكتب : موسم الحصاد المر
حسن البراري
في تطور سياسي واستراتيجي لافت، كشفت تقارير وتسريبات إعلامية عبرية عن مقترح جديد تقدمت به الدوحة، لا يبتعد جوهريًا عن الصيغة المعدلة لمقترح ويتكوف الثاني، بل يعيد إنتاجه ضمن هندسة زمنية مختلفة لا تتجاوز الستين يومًا من الهدنة المؤقتة، تتخللها مفاوضات غير ملزمة لوقف شامل لإطلاق النار. فالمقترح ينص على إطلاق سراح ثمانية أسرى إسرائيليين في اليوم الأول، وأسيرين إضافيين في اليوم الخمسين فضلا عن تسليم نصف الجثامين.
وعلى الرغم من ضجيج اليمين الإسرائيلي وتهديداته المزعومة لبنيامين نتنياهو، إلا أن هذه التهديدات لا تتجاوز كونها “مسدسًا فارغًا” في مشهد مسرحي مألوف، فنتنياهو، ببراغماتيته المعهودة، يراكم شعبية داخلية متصاعدة، ويُسوق نفسه كرجل المرحلة الذي واجه إيران وهزمها سياسيًا وعسكريا، ويستعد للاحتفال بنصره الرمزي في البيت الأبيض جنبًا إلى جنب مع دونالد ترامب.
لكن الأهم من كل ذلك أن هذا الاتفاق لا ينهي الحرب، بل يعيد تأطيرها ضمن لحظة انتقالية وظيفتها تثبيت المكاسب وتحييد الخسائر مؤقتًا، تمهيدًا لتسوية أوسع. المفارقة الاستراتيجية الصارخة أن بنود هذا الاتفاق لم تكن بحاجة إلى هذا السقف المرتفع من الدماء والدمار إذ كان بالإمكان التوصل إلى تفاهم مشابه قبل أشهر، وتفادي هذا الكم الهائل من الشهداء والخسائر في البنية التحتية والناس.
ولعل ما لا يجب أن يغيب عن المشهد هو البعد الجيوسياسي الأوسع، فالاتفاق يأتي في سياق إدراك إسرائيلي عميق بأن لحظة التطبيع العربي-الإسرائيلي لم تعد فرضية مستقبلية بل أصبحت احتمالًا واقعيًا، تدفعه التحولات الإقليمية، والاصطفافات الجديدة، وفوبيا النفوذ الإيراني. هنا، يصبح الاتفاق ليس مجرد هدنة، بل منصة لإعادة هيكلة الإقليم على إيقاع المصالح الإسرائيلية.
ومع ذلك، يحق للغزيين ان يأخذوا قسطا من الراحة التي يستحقونها بعد أن قصفهم وخذلهم الجميع.