حنين البطوش تحذّر: الدعم الصامت يطمئن.. والتجمهر المقلق يُربك طلاب التوجيهي


مع بداية موسم امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، يتكرّر مشهد تجمهر أولياء الأمور أمام بوابات المدارس، مشهدٌ يختلط فيه الحب بالقلق، والدعم بالتوتر، والعاطفة بالمبالغة أحيانًا، وبين من يرى في هذا التواجد تعبيرًا عن الدعم النفسي، ومن يراه سلوكًا يُثقل كاهل الطالب ويُربك أداءه، تبقى الظاهرة محل جدل تربوي ومجتمعي، تدعو إلى التوقف عندها بتأمل وتوجيه.

وفي حديث خاص لـ”أخبار الأردن”، أوضحت الاستشارية النفسية الأسرية والتربوية حنين البطوش أن هذه الظاهرة تحمل وجهين؛ فهي ليست سلبية بالمطلق، ولا إيجابية في كل حالاتها، بل يتوقف أثرها على طبيعة الحضور وكيفية التفاعل مع الطالب.

أولًا: الدعم الهادئ… قوة نفسية خفية

تقول البطوش: “عندما يكون حضور الأهل هادئًا ومطمئنًا، بعيدًا عن التوتر والضوضاء، فإنه يشكّل مصدر دعم نفسي كبير للطالب. مجرد رؤية وجه مألوف يبتسم من بعيد، دون تعليمات أو توجيهات، قد تترك في النفس أثرًا بالغًا يُخفّف من القلق، ويُعزز الشعور بالثقة والانتماء”.

وتضيف: “الدعم لا يُقاس بالقرب الجغرافي من قاعة الامتحان، بل بكيفية الحضور… الهدوء، الثقة، والاحتواء غير المشروط، هي مفاتيح التأثير النفسي الإيجابي”.

ثانيًا: عندما يتحوّل الدعم إلى عبء نفسي

في المقابل، تشير البطوش إلى أن “التجمهر المفرط والمصحوب بتوتر، أو تعليقات غير مدروسة، أو نظرات مترقبة، قد ينقل القلق إلى الطالب ويُشعره بثقل التوقعات، فكثير من الطلاب يدخلون الامتحان وهم يشعرون أنهم تحت مراقبة ’كاميرا عائلية‘، وهو ما يُشتّت التركيز، ويرفع مستويات التوتر ويؤثر سلبًا على الأداء”.

وتتابع البطوش : “الطالب الذي يسمع قبل الامتحان جُملًا مثل: مطلوب تجيب فوق التسعين، أو ما بدنا تخيب أملنا، قد يشعر أن مستقبله ومكانته مرهونان بهذه اللحظة، وهذا تفكير مرهق نفسيًا في وقت ينبغي أن يكون فيه بأعلى درجات الهدوء”.

ثالثًا: الرسائل غير المباشرة… الطالب يراها ويسمعها دون أن تُقال

تُشير الاستشارية النفسية حنين البطوش إلى أن الطلاب – خاصة في لحظات التوتر والضغط – يصبحون أكثر حساسية للتفاصيل غير المنطوقة، فهم لا يتلقّون فقط الكلمات، بل يقرأون تعابير الوجوه، نبرة الصوت، وحتى نَفَس الأهل المضطرب، ويُفسّرونها بطريقتهم الخاصة.

وتوضح البطوش: لغة الجسد تُفصح أحيانًا أكثر من الكلام، فإذا رأى الطالب أمّه ترتجف يداها، أو سمع أباه يُكثر من التنهّدات المتوترة، قد يشعر وكأنه على وشك خوض معركة لا امتحان، فتنتقل العدوى النفسية إليه دون وعي من الأهل.

أما على مستوى العبارات، فبعض الجمل التي تُقال بنيّة طيبة، قد تحمل في طيّاتها ضغطًا نفسيًا غير مباشر. من ذلك مثلًا: شدّ حالك… لا تنسانا! ،“بدنا ترفع راسنا!” “هالامتحان بيحدّد مصيرك! ،“عيب تخذلنا بعد هالتعب!”

كلها عبارات قد تُحمّل الطالب فوق طاقته، وتجعل الامتحان يبدو وكأنه امتحان إثبات ذات لعائلته، لا مجرد تقييم أكاديمي، مما يُضاعف من رهبة الموقف، ويُحوّل لحظة دخول القاعة إلى تجربة ثقيلة نفسيًا.

وتنصح البطوش بأن يختار الأهل عبارات قصيرة ومطمئنة، مثل: “نثق فيك.”، “قدّها وزيادة.”، “الله معك… خذ نفس وركز.”، “عملت اللي عليك… والباقي توفيق ربنا.”

هذه الجمل ترسل رسائل طمأنينة دون شروط أو مقارنات، وتُساعد الطالب على الدخول بثقة وهدوء بدلًا من التشويش الذهني الذي تخلقه الكلمات الثقيلة

رابعاً : فروقات فردية تستدعي دعمًا مُخصّصًا

وتلفت البطوش إلى أهمية مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب، مؤكدة أن “الطالب الانطوائي مثلًا يحتاج إلى الهدوء والعزلة قبيل الامتحان، وقد يُزعجه التجمع أو التفاعل المباشر، في حين أن الطالب الاجتماعي قد يستمد طمأنينته من وجه مألوف أو كلمة مشجعة”.

وتضيف البطوش: الدعم الفعّال يبدأ بفهم شخصية الطالب واحتياجاته النفسية، فليس كل دعمٍ صامت يُريح الجميع، ولا كل تواصل مباشر يُربك بالضرورة، فبعض الطلاب يُشعرهم التفاعل بالثقة، بينما آخرون يحتاجون إلى مساحة خاصة لينظّموا أفكارهم ويهيّئوا أنفسهم بهدوء.”

وتؤكد البطوش أن هذا التفاوت في الاحتياجات يتطلّب من الأهل مرونة في الأسلوب وتخصيص في الدعم، بعيدًا عن النماذج الجاهزة أو التعميمات المجتمعية. فالدعم الحقيقي لا يكون بحضور موحّد، بل بحسّ تربوي يُراعي خصوصية كل طالب.

وتُشدّد في هذا السياق على أن “ما يُطمئن أحد الأبناء، قد يُربك الآخر، لذا فإن الإصغاء للطالب، وفهم سلوكياته قبل الامتحان، والتفاوض معه حول ما يُريحه، هو أفضل أشكال الدعم الممكن تقديمها في هذه المرحلة الحساسة.