خسائر "الكهرباء الوطنية" تلامس 6.2 مليار دينار.. كيف انقلبت المعادلة؟
سجلت شركة الكهرباء الوطنية ارتفاعا جديدا في إجمالي خسائرها المتراكمة، التي بلغت بنهاية عام 2024 نحو 6.2 مليار دينار، مقارنة مع حوالي 5.7 مليار دينار في نهاية عام 2023، أي بزيادة تُقدَّر بحوالي 8.7%، وفقًا لأحدث البيانات المالية الصادرة عن الشركة.
وبحسب الأرقام الرسمية، تكبدت الشركة خلال العام الماضي خسائر سنوية وصلت إلى 427.7 مليون دينار، مقارنة مع 410.9 مليون دينار في عام 2023، رغم تحقيق زيادة في إيرادات بيع الطاقة، التي بلغت نحو 1.5 مليار دينار في 2024، مقابل 1.4 مليار دينار في العام الذي سبقه.
قرارات استراتيجية قلبت معادلة الكهرباء
من جهته، قال مدير عام شركة الكهرباء الوطنية الأسبق المهندس عبد الفتاح الدرادكة، إن قطاع الطاقة في الأردن يُعدّ من أفضل القطاعات في المنطقة من حيث استقرار الخدمة وكفاءة البنية التحتية، رغم ما يُشاع في الإعلام من انتقادات "غير دقيقة"، على حد وصفه، مؤكدًا أن كثيرًا مما يُطرح إعلاميًا لا يستند إلى قراءة شاملة للأرقام والظروف المحيطة.
وأوضح في حديثٍ له خلال جلسة "ارتدادات الصراع: التداعيات الاقتصادية للحرب الاسرائيلية الايرانية على الاردن"، المُنظّمة من قبل مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير، أن شركات الكهرباء في الأردن موزّعة على ثلاثة محاور رئيسية: التوليد، والنقل والتحكم، والتوزيع، وفي جانب التوليد، توجد شركات خاصة واستثمارات بالشراكة مع القطاع الخاص، بينما تركز شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) على عمليات النقل والتحكم، أما التوزيع، فتتولاّه ثلاث شركات: شركة الكهرباء الأردنية للعاصمة ومحيطها، وشركة كهرباء محافظة إربد للمحافظات الشمالية، وشركة توزيع الكهرباء للمحافظات الجنوبية والشرقية.
وشدد الدرادكة على أن القطاع شهد تحولات كبيرة منذ أزمة عام 2011، عندما تعرض خط الغاز المصري لأضرار نتيجة أحداث سياسية، مما اضطر الأردن إلى التحول لاستخدام الديزل والوقود الثقيل لتوليد الكهرباء، فارتفعت الكلفة بشكل غير مسبوق؛ إذ وصلت تكلفة إنتاج الكيلوواط الواحد حينها إلى نحو 18 قرشًا، بينما يُباع لشركات التوزيع بـ 7 قروش فقط، وهو ما خلق عجزًا تراكمياً بلغ حوالي 4 مليارات دينار خلال أربع سنوات فقط.
وأضاف: "واجهنا هذه الخسائر بحلول جريئة؛ من بينها إنشاء ميناء الغاز الطبيعي المسال في العقبة، الذي بدأ تشغيله عام 2015، وتزامن مع انخفاض أسعار النفط العالمية، مما ساهم في تقليص الخسائر بشكل كبير، ثم تحقيق وفورات وصلت في بعض السنوات إلى نحو 300 مليون دينار".
وأشار الدرادكة إلى أن الاتفاقية التي تم توقيعها لاحقًا لاستيراد الغاز من شرق المتوسط ساعدت في تثبيت الأسعار نسبيًا، إذ أن سعر الغاز بموجبها أقل بنحو 30% من السعر السابق الذي كان يُستورد به الغاز المصري، لافتًا الانتباه إلى أن هذه الاتفاقية كانت قرارًا اقتصاديًا وتجاريًا بحتًا لمصلحة الدولة.
وفي معرض حديثه عن تأثير الحادث الأخير الذي أوقف إمدادات الغاز لفترة قصيرة، أوضح أن الوضع مختلف اليوم مقارنة بما كان عليه في عام 2011؛ فهناك مصادر بديلة، منها الطاقة المتجددة التي تُغطي نحو 27% من الطلب، إضافة إلى الصخر الزيتي الذي يُسهم بنحو 16%، فضلًا عن قدرة الربط الكهربائي مع دول الجوار.
ونوّه الدرادكة إلى أن الأردن وقّع اتفاقيات لتأمين الغاز عبر مصر كخيار مؤقت، بالتوازي مع خطة طويلة الأمد لإنشاء خزان بري في العقبة سيتم تشغيله خلال عام 2026، ما سيوفر مرونة استراتيجية لتفادي أية انقطاعات مستقبلية.
وعن الانتقادات التي تُثار حول بيع شركات التوزيع، أوضح الخطيب أن شركة الكهرباء الأردنية، على سبيل المثال، لم تكن يومًا شركة حكومية خالصة؛ ذلك أنها مملوكة منذ تأسيسها للقطاع الخاص، وكانت تعمل ضمن نظام الامتياز حتى عام 2013، ثم حصلت على رخصة من هيئة تنظيم قطاع الطاقة مقابل 65 مليون دينار لمدة 15 عاما، نافيًا أن يكون هناك "بيع" للشركة كما يُشاع.
واختتم الدرادكة حديثه بالتأكيد على ضرورة أهمية استكمال المشروعات الاستراتيجية، مثل مشروعات التخزين الكهربائي باستخدام البطاريات أو تخزين الطاقة في سدود المياه، ومشروعات الهيدروجين الأخضر، فـ"رغم كل الصعوبات، القطاع صامد ويتطور، ويمثل قصة نجاح مقارنة بكثير من دول المنطقة".