السكجي: رادار متطور يكشف الطائرات الشبحية والصواريخ الفرط صوتية

 

قال رئيس الجمعية الفلكية الأردنية والفيزيائي النظري الدكتور عمار السكجي إن التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجالات الفيزياء والرصد الفضائي، لا سيما في تقنيات الرادار الكمومي، تعيد رسم حدود القدرة على اكتشاف الطائرات الشبحية والصواريخ الفرط صوتية، بما يمثل تحولًا استراتيجيًا في فهم أنظمة الكشف والدفاع الجوي.

وأوضح السكجي أن الطائرات الشبحية صممت خصيصًا لتقليل الانعكاسات الكهرومغناطيسية من خلال استخدام مواد وتقنيات تخفي أثرها عن أجهزة الرصد التقليدية، مثل الرادارات والأشعة تحت الحمراء وحتى الأنظمة الصوتية والبصرية، مشيرًا إلى أن ما يُعرف بالمقطع العرضي الراداري (RCS) هو العامل الأساسي في صعوبة رصدها.

وبيّن أن سرعة الصواريخ الفرط صوتية تُقاس بوحدة "ماخ"، والتي تعادل سرعة الصوت عند مستوى سطح البحر، وتبلغ نحو 1225 كيلومترًا في الساعة، موضحًا أن بعض الدول باتت تمتلك صواريخ تتجاوز سرعتها 25 ماخ، أي أكثر من 30 ألف كيلومتر في الساعة، كما في حالة روسيا التي تُعد الأكثر تقدمًا في هذا المجال، تليها الصين والولايات المتحدة والهند، بينما تطور إيران صواريخ تصل إلى سرعة 15 ماخ.

وأشار السكجي إلى أن صاروخًا بهذه السرعة يمكنه الوصول إلى هدف في الداخل الإسرائيلي خلال 6 إلى 8 دقائق فقط، اعتمادًا على المسافة الجغرافية التي تفصل بين نقطة الانطلاق والهدف، وهي تتراوح بين 1800 و2300 كيلومتر.

وأضاف أن الأنظمة الدفاعية التقليدية تواجه صعوبات متزايدة في رصد مثل هذه التهديدات الجوية، ما يدفع الجيوش حول العالم إلى تبني تقنيات متقدمة مثل رادارات الفتحة الاصطناعية والرادارات الثنائية والمستمرة، لكنها تبقى محدودة الأداء في حالات الأهداف الشبحية ذات الانعكاسية المنخفضة.

وأكد السكجي أن الرادار الكمومي يمثل الجيل القادم في تقنيات الرصد، حيث يعتمد على مفاهيم فيزيائية متقدمة مثل التشابك الكمومي ومبدأ عدم التحديد لهايزنبرغ، موضحًا أن دراسة نشرت عام 2015 في مجلة Physical Review Letters تحت عنوان Microwave Quantum Illumination أثبتت جدوى استخدام الإضاءة الكمومية لرصد الأجسام المخفية في بيئات عالية الضوضاء.

وتقوم فكرة الرادار الكمومي على توليد أزواج من الفوتونات المترابطة كموميًا، حيث يُرسل أحد الفوتونين نحو الهدف ويُحتفظ بالآخر كمرجع، ليتم لاحقًا تحليل الارتداد ومقارنته بالفوتون المرجعي، ما يتيح رصدًا عالي الدقة حتى في بيئات يعجز فيها الرادار التقليدي عن العمل بكفاءة.

وأشار إلى أن هذه التقنية لا تتطلب بقاء الترابط الكمومي خلال انتقال الفوتونات، بل تعتمد على العلاقة الإحصائية بين الزوجين، وهو ما يمنح الرادار الكمومي قدرة فريدة على كشف الأهداف في ظروف تشويش إلكتروني معقدة، وبإشعاع منخفض يصعب رصده، ما يرفع من مستوى التخفي العملياتي.

وأوضح السكجي أن الرادارات الكمومية تتميز كذلك بقدرتها على العمل في نطاقات تردد متعددة تشمل الموجات الميكروويفية وحتى الضوء المرئي، إلى جانب مقاومتها للخداع الإلكتروني، إلا أن تطبيقها العملي ما زال يواجه تحديات مثل توليد الفوتونات بكثافة كافية، وتطوير كواشف دقيقة، ودمجها في شبكات القيادة والسيطرة الحديثة، وهو ما يتطلب شراكة بين الأوساط البحثية والمؤسسات الدفاعية.

وأكد أن دولًا عدة بدأت فعليًا بتطوير هذه التقنية، حيث أعلنت الصين في يونيو 2025 عن نموذج أولي لرادار كمومي قابل للبرمجة طورته شركة CETC، وأثبت في تجاربه الأولية قدرته على كشف أهداف شبحية في بيئات إلكترونية معقدة، فيما تعمل دول أخرى مثل كندا وألمانيا وفرنسا على تطوير نماذج تعتمد الموجات الميكروويفية الكمومية.

وفي رؤية مستقبلية، قال السكجي إن الرؤية الكمومية تمثل الخطوة القادمة في سباق الردع، مؤكدًا أن من يرى قبل أن يُرى، ويضرب قبل أن يُكشف، هو من يمتلك التفوق العملياتي في ساحات المعركة المقبلة.

وأضاف أن التكامل بين الرادارات الكمومية والذكاء الاصطناعي سيُحدث قفزة نوعية في دقة الرصد وسرعة اتخاذ القرار، من خلال تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق القادرة على تحليل ملايين الإشارات في الزمن الحقيقي، والتنبؤ بالمسارات بناءً على بيانات آنية.

وأشار إلى أن هذا التكامل يعزز كذلك أنظمة الدمج متعدد الحساسات، ما يسمح بربط الرادارات مع الأقمار الصناعية والطائرات وأنظمة الصواريخ ضمن شبكة قتالية متقدمة، تفتح آفاقًا جديدة في مفهوم "الحرب الذكية".