ابو رمان يكتب : ما بعد وقف إطلاق النار
محمد أبو رمان
بالرغم من أنّ هذه الحرب لم تنتهِ بالضربة القاضية من قبل إسرائيل أو إيران، إلاّ أنّها تشكّل منعطفاً رئيسياً في مصير منطقة الشرق الأوسط والنظام الإقليمي فيها، سواء على صعيد موازين القوى أو حتى على صعيد القضية الفلسطينية ومصير غزة وحتى الضفة الغربية والقدس.
إلى أي مدى يمكن أن يصمد وقف إطلاق النار؟.. إلى درجة كبيرة؛ فلا توجد مصلحة لا لإيران ولا إسرائيل أو حتى إدارة الرئيس ترامب باستمرار الحرب. وكان واضحاً من تصريحات ترامب ونتنياهو أنّ هنالك إطاراً زمنياً وُضع للحرب، منذ اللحظة الأولى للضربة الإسرائيلية، عندما كان يؤكد كلاهما أنّها ستكون لما يقارب الأسبوعين (وقد استمرت 12 يوماً)، والهدف منها تمثّل بحلحلة عقدة «تخصيب اليورانيوم» التي تحجّر عندها كل من الأميركيين (ومن خلفهم الإسرائيليين) والمفاوض الإيراني.
المرحلة القادمة ستشهد محاولة الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، لإنهاء التوتر الإقليمي بصورة كاملة، وحتى لو لم ينجح الطرفان في الوصول إلى ذلك، فإنّ العودة إلى الحرب بين الطرفين لم تعد مبررةً أو مفيدةً لهما، فضلاً عن أنّ إيران ستهتم بدرجة أكبر في المرحلة القادمة في مداواة جروحها الداخلية والتعامل مع تداعيات وانعكاسات الحرب وما أدت إليه من نتائج قاسية، سواء على صعيد اغتيال القيادات العسكرية، أو الاختراق الأمني الكبير أو القضاء على البرنامج النووي الإيراني الذي كلّف البلاد ثروة كبيرة هائلة، وعملاً دؤوباً استمر لأعوام طويلة، فضلاً عن حجم الكلف الاقتصادية والعسكرية الكبيرة، فيما يتعلّق بالسلاح الصاروخي الإيراني، ومنظومات الدفاع الجوي..
إلاّ أنّ أخطر ما سيواجه «المرشد الأعلى» هي الأسئلة الداخلية المتعلّقة بشرعية «نظام ولاية الفقيه»، بعد ما يقارب من 45 عاماً من الحكم باسم «الحرب على الشيطان الأكبر» و»نصرة المستضعفين»، وتسويق النفوذ الإيراني بوصفه قوة كبيرة لإيران في المنطقة، والبرنامج النووي بوصفه إنجازاً قومياً كبيراً؛ فيما اليوم تقف إيران منزوعة النفوذ الإقليمي، بعد تدمير البرنامج النووي، اختراق أمني كبير، خطاب أيديولوجي لن يتمكن من استدامة الشرعية السياسية للنظام، وانقسام سياسي شديد بين النخب الموالية للنظام والتيار الإصلاحي وحلفائه.
لم يكن النظام الإيراني لينهار عسكرياً، بالمعنى المباشر، لكنّ التطورات منذ هجوم 7 اكتوبر قوّضت كثيراً من شرعية النظام السياسي داخلياً، وستكون لها نتائج كبيرة على الداخل، على المدى المتوسط، إذ ستعمد الماكينة الإعلامية الإيرانية على تأطير نتائج الحرب بوصفها انتصاراً بالحفاظ على النظام، وبـ»صورة» القصف في إسرائيل.
باختصار عادت إيران، إلى درجة كبيرة، لمرحلة ما قبل احتلال العراق 2003، أي قبل صعود المارد الإقليمي وبناء أدوات النفوذ الإقليمي، الذي تهشّم وتراجع، وعلى الأغلب ستكون إيران خارج الملعب الإقليمي خلال المرحلة القادمة.
سيعتبر نتنياهو نفسه، نسبياً، منتصراً في الحرب، لأنّه نجح في تفكيك البرنامج النووي الإيراني، لكنّه كان يتمنى أن يكون التدخل العسكري الأميركي أكبر وأوسع ليتمكن من القضاء بدرجة كبيرة على البرنامج الصاروخي الإيراني، وهي الأهداف التي لم يكن يتشاركها معه ترامب، وسيكون على نتنياهو أن يواجه أسئلة جديدة؛ سواء ما يتعلّق بمصير غزة ومستقبل القطاع، ووضع نهاية للحرب العسكرية، وهو أمر سيتدخل فيه الأميركيون بدرجة أكبر في المرحلة القادمة، أو ما يتعلّق بالمعادلة الداخلية في إسرائيل والتعامل مع الأزمة السياسية الداخلية وخصومه السياسيين الذين ينتظرون إنهاء الحرب للانقضاض عليه.
يعتقد نتنياهو أنّه سيتمكن في المرحلة القادمة من عقد سلام إقليمي مع السعودية، وسيعزز من المشروعات الاقتصادية الإقليمية المشتركة، لكن مثل هذه السياسة تواجه موقفاً عربياً أخذ يتشكل (من كل من السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات، وتقترب منهم تركيا بدرجة كبيرة) يرى في حكومة نتنياهو خطراً كبيراً على الأمن الإقليمي، ويرفض القبول بسلام من دون إقامة «دولة فلسطينية»، وهو الأمر الذي يتعارض مع «عقيدة نتنياهو» الذي يرفض ذلك رفضاً قاطعاً، ويرى أن السلطة الفلسطينية واتفاقية أوسلو كانت خطأ كبيراً لا بد أن يصححّ.