بعد الضربة الأمريكية.. مستقبل المنطقة مرهون بـ5 محددات
قال الصحفي المتخصص في الشؤون الأمريكية عبد الرحمن يوسف إن الولايات المتحدة الأمريكية دشّنت تدخلها العسكري المباشر ضد إيران عبر استهداف ثلاث منشآت نووية حيوية، وُصفت بأنها على درجة عالية من الحساسية الاستراتيجية.
وأوضح الصحفي المقيم بواشنطن في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" أن هذه الضربة جاءت في سياق بالغ التعقيد، إذ رافقها تصريح للرئيس دونالد ترامب أشار فيه بشكل مفارق إلى أنها "لحظة من أجل السلام"، وهو ما يثير تساؤلات معمقة حول الأهداف الفعلية الكامنة وراء هذا التحرك العسكري، وما إذا كان يندرج ضمن إطار تكتيكي محدود، أم أنه يمهّد لانخراط أمريكي أوسع في صراع قد يتدحرج نحو مواجهة شاملة.
وبيّن يوسف أن القراءة الأولية لهذه الضربة تضعنا أمام مفترق طرق استراتيجي يتأرجح بين احتمالين رئيسيين: أولهما، أن تتطور الأمور إلى حرب مفتوحة وشاملة، وذلك في حال جاء الرد الإيراني عنيفًا، واسع النطاق، ويتجاوز الحسابات السياسية التقليدية، ما سيدفع الأطراف المعنية إلى الانزلاق في مسار تصعيدي لا يمكن احتواؤه بسهولة؛ وثانيهما، أن تبقى الضربة ضمن إطار الهجوم الاحتوائي، أي أن تكون ضربة محدودة القصد والأثر، يقابلها رد إيراني محسوب، هدفه الأساسي ليس التصعيد وإنما حفظ ماء الوجه داخليًا وخارجيًا، تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة وأكثر مرونة.
ونوّه إلى أنه لا يمكن إغفال العامل الإسرائيلي بوصفه متغيرًا حاسمًا في المعادلة، فالسؤال المحوري يتمثل فيما إذا كانت ستعتبر تل أبيب هذه الضربة الأمريكية بمثابة غطاء شرعي يسمح لها بتوسيع رقعة عملياتها العسكرية ضد إيران بشكل أكثر شراسة واتساعًا أم أنها ستكتفي بالدور الأمريكي كأداة ضغط دبلوماسي وعسكري مؤقت، يُستخدم لابتزاز إيران دون الانخراط في مواجهة مباشرة وشاملة؟.
وأردف يوسف أن الولايات المتحدة لا تتبنى – في هذه المرحلة على الأقل – استراتيجية إسقاط النظام الإيراني بشكل مباشر، غير أنها، في المقابل، لا تمانع أن تُفضي المواجهة إلى تآكل بطيء أو سريع لمرتكزات النظام، إذا ما أتى ذلك كنتيجة عرضية للصراع، أما إسرائيل، فإن مقاربتها تبدو أكثر وضوحًا وشراسة، إذ تسعى إلى تحقيق "الكل الآن"، والتي تتمثل في إضعاف القدرات النووية الإيرانية، وتحطيم البنية التحتية العسكرية، وربما دفع الداخل الإيراني نحو التآكل السياسي من خلال إنهاك اقتصادي واستنزاف عسكري ممنهج.
وأشار إلى أن المؤشرات تتزايد على أن النية الحقيقية لترامب - سواء كانت نابعة من حسابات انتخابية داخلية أو من استحقاقات خارجية مفروضة عليه - تتأرجح بين حدّين: فمن جهة، قد يكون الهدف هو إرضاء اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، عبر توجيه ضربة استعراضية تُظهر تجاوبًا عمليًا مع مطالبه، دون التورط في مستنقع حرب مفتوحة؛ ومن جهة أخرى، لا يمكن استبعاد أن يكون ترامب قد اتخذ القرار وهو مستعد للدخول في مواجهة أوسع نطاقًا، في حال قررت إيران تجاوز حدود الردود الرمزية أو المدروسة، والمضي نحو صدام شامل لا يقبل بديلاً عن المواجهة المباشرة.
وبذلك، يصبح مستقبل التصعيد مرهونًا بجملة من المحددات المتشابكة، أبرزها:
1. طبيعة الرد الإيراني، سواء من حيث القوة، أو التوقيت، أو جغرافية الرد،
2. موقف إسرائيل من حدود التدخل الأمريكي، وما إذا كانت ستتخذه ذريعة لتوسيع عملياتها،
3. ردود الفعل الإقليمية والدولية، لا سيما من قبل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي،
4. الموقف الداخلي الأمريكي، وتحديدًا موقف المؤسسة العسكرية، والكونغرس، والرأي العام،
5. القدرة على ضبط مسار الأحداث ومنعها من الانزلاق نحو مواجهة إقليمية شاملة، خاصة في ظل هشاشة الوضع في الخليج، وسرعة قابلية التوتر للتحول إلى صراع مفتوح.
واختتم يوسف حديثه بالإشارة إلى أن الضربة الأمريكية تشكّل لحظة فارقة؛ فهي تضع الإقليم – والعالم – على أعتاب سيناريوهات مفتوحة يصعب التكهن بمآلاتها، ما لم تتدخل قوى التوازن الكبرى لإعادة هندسة المشهد وفق محددات جديدة، مضيفًا أن المتابعة الدقيقة لمجريات ما بعد الضربة باتت ضرورة لا غنى عنها لفهم تطورات المشهد، واستشراف أفق الصراع أو التسوية.