الرواشدة يكتب:‏لماذا غابت "المسطرة " الوطنية عن نقاشاتنا العامة ؟

 

حسين الرواشدة

‏ربما تبدو نقاشاتنا العامة حول الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران ، خاصة فيما يتعلق بموقفنا من إيران،  مفهومة في سياق تعددية الآراء ،واختلاف وجهات النظر ، لكن الأجدى ‏والأولى -في تقديري - أن تأخذ هذه النقاشات مسارات تتعلق بالمصالح العليا للدولة الأردنية ، أقصد كيف يمكن أن نتعامل مع هذه الحرب بما يجنبنا تداعياتها وأخطارها، ‏وماذا استفدنا من دروسها ، وما الذي يجب أن نفعله ،الآن وغداً، لبناء ‏شبكة "ردع" وطنية ،في كافة المجالات ، تضمن توفير ما نحتاجه من منعة وأمن واستقرار.

‏لكي تبدو الفكرة أوضح ، أشير فقط إلى حالة" الإغراق " التي تعرض لها مجتمعنا ، على مدى العامين المنصرفين ، من خلال نقاشات حول قضايا مختلف عليها ، لم تصبّ في رصيدينا الوطني ، وولّدت لدينا انقسامات قد تكون خطيرة ، فيما ظل "الشأن الداخلي " وأولوياته على هامش هذه النقاشات ، لقد إستدعى بعضنا الولاءات الدينية والقومية لإدارة النقاش العام وتوجيهه، ثم إصدار ما يلزم من أحكام ومواقف حول القضايا والنوازل التي شهدها واقعنا ، فيما غابت،  على الأغلب،  "المسطرة " الوطنية ، ومعها مصالح الدولة الأردنية .

‏الآن ، حان الوقت لكي نُوجّه نقاشاتنا العامة ومجهودنا الوطني ، سواء على صعيد إدارات الدولة أو قوى المجتمع المختلفة ، إلى عناوين مفيدة وضرورية ، تجعلنا أقرب إلى التوافق ، وتساعدنا على وضع ما يلزم من خطة لمواجهة المخاطر التي تتولد كل يوم ، وتلقى علينا بشظاياها المتفجرة ،  وتفرض استحقاقاتها وأثمانها السياسية والاقتصادية والأمنية التي لا تعد ولا تحصى ، ما يجب أن نفكر به في بلدنا ، وسط هذه المنطقة التي تشهد أكبر انفجار التاريخي ، هو البحث عن طوق نجاة.

‏كيف ننجو من هذه الحروب ، ثم كيف نتحصن من الوقوع فيما وقع فيه غيرنا من أخطاء ، ثم كيف نُجهز أنفسنا ونستعد لأسوأ السيناريوهات والمفاجآت القادمة ؟ هذا جزء من الأسئلة الكبرى التي تزدحم بالتفاصيل ، وتتغلغل في السياسة والأمن والاقتصاد ، في الوعي على الذات وعلى الآخر ، في التعامل مع الداخل ومع الخارج،  في عمق حركة الدولة وحركة المجتمع ، و كلها تحتاج إلى إجابات واضحة. 

‏لا أدري إذا كنا ، أقصد من يعنيهم الأمر حيثما كانوا ، جاهزين لذلك ، ما اعرفه ، تماماً،  أننا أمام  منعطف تاريخي لابد أن نستنفر أمامه بكل طاقاتنا،  لا وقت للتباطؤ أو الانتظار ، للاعتذار أو الانسحاب ، الأردن يجب أن يكون عنواناً  لنقاشاتنا العامة ، وعنواناً  لنفيرنا العام ، وعنواناً  للتفكير بكل ما يمكن أن يضمن صمودنا وتماسكنا ، وقدرتنا على إدارة هذه المرحلة بعقلانيه وتوازن وانضباط. 

‏بصراحة ، لا يريد الأردن أن يكون طرفاً في هذه الحروب ، ولا جزءاً من مشروعاتها، لا يستطيع -منفرداً أو بالنيابة عن العرب - أن يوقفها،  أو يواجه استحقاقاتها على المنطقة ، لا يمكن أن يغامر بمصالحه العليا ليحظى  بتصفيق من هنا،  أو يضمن عدم انتقاد من هناك ، الدولة الأردنية ، بتقديري، تفهم تماما ما جرى منذ 7 أكتوبر وحتى الآن ، تعرف خياراتها وتُقدّر إمكانياتها، استدارة الأردنيين والتفافهم حول دولتهم جزء من الوعي على الخطر ، ودليل عليه،  هذا -بالطبع - لا يكفي ، نحن نحتاج إلى أفعال وإنجازات أكبر ، وإلى وعيّ أعمق ، وإلى حالة وطنية جديدة ، تتناسب مع مخاضات المرحلة وولاداتها القادمة.