من ينقذ إيران... ومن يحرر غزة؟

 


•    لا أحد يمكنه إنقاذ إيران سوى إيران ذاتها، ودول مثل: باكستان، والصين، وتركيا، وروسيا ليست مستعدة للدخول في مغامرة عسكرية من أجلها

•    القوى الصديقة لإيران أبعد ما تكون عن تقديم التزامات عسكرية صلبة، خصوصًا في مواجهة دولة مثل إسرائيل، مدعومة بإجماع غربي شبه مطلق

•    فتح جبهة مفتوحة، يمثل كابوسًا استراتيجيًا لإيران، لأن المعركة حينها لن تكون على برنامج تخصيب أو ملف صواريخ، وإنما على وجود النظام نفسه ووحدة الدولة

•    لم تنجح روسيا خلال ثلاث سنوات ونصف في أوكرانيا في بلوغ هذا المستوى من الحسم، بينما فعلته إسرائيل خلال 72 ساعة

•    القيادة الإيرانية بدأت تتردد في استخدام صواريخها بعيدة المدى أو تحريكها

•    بينما ترفع طهران نبرة التصعيد أمام الإعلام، فإنها ترجِّي الهدوء وتطلب التفاوض في السر

•    هذا الانفصام بين الخطاب الداخلي والحراك الخارجي يعكس إدراكًا عميقًا لدى النظام الإيراني بأن لا أحد سيتحرك لإنقاذه


قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي، إن لا أحد يمكنه إنقاذ إيران سوى إيران ذاتها، ذلك أن دول مثل: باكستان، والصين، وتركيا، وروسيا ليست مستعدة للدخول في مغامرة عسكرية مكلفة ومفتوحة دفاعًا عن طهران في وجه إسرائيل وحلفائها في الغرب.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن كل القوى الصديقة لإيران – أو لنقل تلك التي تشترك معها في بعض المصالح المرحلية – تقف عند حدود الدعم الدبلوماسي واللغوي، لكنها أبعد ما تكون عن تقديم التزامات عسكرية صلبة، خصوصًا في مواجهة دولة مثل إسرائيل، مدعومة بإجماع غربي شبه مطلق.

وإذا كانت إيران قد استطاعت، بالفعل، إيلام الكيان الإسرائيلي عبر ضربات محدودة في العمق، فإن ما انكشف بعد ذلك كان أشد إيلامًا لها، وهو ما مرتبط بصلابة الدولة العبرية، واحتفاظها بقوة ردع مدمرة، وقدرتها على فرض وتيرة تصعيدية لا ترغب إيران في مجاراتها، ولا تملك الأدوات اللازمة للاستمرار فيها، مضيفًا أن فتح جبهة مفتوحة، أو توسعة ساحة الاشتباك لتشمل الولايات المتحدة أو الناتو، يمثل كابوسًا استراتيجيًا لإيران، لأن المعركة حينها لن تكون على برنامج تخصيب أو ملف صواريخ، وإنما على وجود النظام نفسه ووحدة الدولة، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وبيّن أن بعض المتابعين وقعوا في فخ المبالغة، حين اعتبروا البيان الدبلوماسي الرمادي الذي صدر عن مجلس الشيوخ الباكستاني – والذي أكد ببساطة على "الحق في الدفاع عن النفس" – إعلانًا لحرب شاملة، وذهبوا إلى ما هو أبعد من المنطق والعقل، فنسجوا خيالات حول منظومات دفاع جوي تُرسل إلى طهران، وحتى تهديدات نووية باكستانية ضد إسرائيل، غير أن الواقع الصلب مختلف تمامًا، فباكستان، الحليف التاريخي لواشنطن منذ أيام الحرب الأفغانية، والدولة النووية التي تعيش توازنًا حساسًا مع عدوتها اللدود الهند، ليست مستعدة – بل ولا قادرة – على التضحية بهذه المعادلات من أجل طهران، ولعل أول مؤشر على ذلك كان إغلاقها السريع لحدودها مع إيران، نافية أي التباس محتمل بشأن نواياها.

أما إيران، فحاجتها للإنقاذ أصبحت أكثر من أي وقت مضى، بعدما تفككت دفاعاتها الجوية، وباتت تتلقى الضربات بلا قدرة فعلية على الرد، كما أشار البستنجي، مضيفًا أن مشاهد النزوح الليلي من طهران، عبر الطرقات السريعة والمخارج المدنية، باتت تعبيرًا مرئيًا عن انهيار منظومة الأمن الوطني، فخلال ثلاثة أيام فقط، أعلنت إسرائيل سيطرتها شبه الكاملة على الأجواء الإيرانية، وبدأت في تنفيذ عمليات قصف جوي مباشر من داخل السماء الإيرانية نفسها، دون حاجة لصواريخ بعيدة المدى، وفي مقارنة صادمة، لم تنجح روسيا خلال ثلاث سنوات ونصف في أوكرانيا في بلوغ هذا المستوى من الحسم، بينما فعلته إسرائيل خلال 72 ساعة.

ونوّه البستنجي إلى أن هذا الإنجاز الإسرائيلي، في حال استمر، يضع إيران في مرتبة الدول العاجزة عن حماية مجالها الجوي وسيادتها الترابية، وهي مرتبة تترتب عليها آثار سياسية وأمنية واقتصادية كارثية، كلما طالت مدة المواجهة، متابعًا أن بناء منظومة دفاع جوي جديدة - إن أمكن أصلًا - ليس إجراءً يتم في أيام أو أسابيع، مما يعني أن هذا الضعف سيبقى قائمًا حتى نهاية الحرب أو إلى حين فرض هدنة شاملة.

وفي ظل هذا الانكشاف الميداني، ومع شح القدرات الجوية وتهالك البنية التحتية الدفاعية، تتعرض المنشآت العسكرية والصاروخية والمستودعات الإيرانية لتدمير ممنهج، ونتيجة لذلك، بدأت القيادة الإيرانية تتردد في استخدام صواريخها بعيدة المدى أو تحريكها، خوفًا من استهدافها على الأرض، خصوصًا أن الصواريخ الفرط صوتية لا يمكن إخفاؤها بسهولة، ولا تشغيلها تحت التهديد المباشر.

أمام هذا المشهد المتدهور، لم تجد طهران مناصًا من التراجع خطوة إلى الوراء، والبحث عن مخرج تفاوضي من وراء الكواليس، فقد أرسلت إيران رسائل مباشرة عبر وسطاء عرب لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، تطلب فيها وقف الأعمال العدائية وفتح قنوات تفاوض جديدة حول ملفها النووي، ولم تتوقف عند ذلك، بل أرسلت رسائل مباشرة إلى تل أبيب، تؤكد فيها ضرورة احتواء العنف، بما يخدم مصلحة الطرفين، وبكلمات أخرى: بينما ترفع طهران نبرة التصعيد أمام الإعلام، فإنها ترجِّي الهدوء وتطلب التفاوض في السر.

ونوّه البستنجي إلى أن هذا الانفصام بين الخطاب الداخلي والحراك الخارجي يعكس إدراكًا عميقًا لدى النظام الإيراني بأن لا أحد سيتحرك لإنقاذه، ولذا بات الهدف الاستراتيجي الآن هو الخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر، مع الاحتفاظ بما تبقى من البنية النووية، ورأس النظام، والقدرة على إعادة البناء لاحقًا، فإيران لا تزال تملك مخزونًا من اليورانيوم، وقاعدة علمية يمكن البناء عليها، وهي تعوّل على أن تبقى في المشهد حتى لو تنازلت مؤقتًا.

وذكر البستنجي أن طهران أدركت متأخرة ميزان القوى الحقيقي مع إسرائيل، وأن خسارتها لمحور المقاومة تعني خسارة الحرب قبل أن تبدأ، فالرهان على الوكلاء، والصوت العالي، والضربات الرمزية، كلها لم تعد تكفي في معركة تشبه كسر العظم.


من يحرر غزة؟

•    ضرب النظام الإيراني وشلّ أذرعه، وصولًا إلى فرض وقائع سياسية جديدة على فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس

•    إضعاف طهران يدفع فصائل المقاومة الانكشاف الكامل، ويجبرها على تقديم تنازلات كبيرة

•    العمليات العسكرية لم تتوقف وسجلُ الشهداء يتزايد يوميًا، في ظل شحّ فادح بالمساعدات، واستمرار مأساة "شهداء الطحين".

وقال البستنجي إن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ولا سيّما تيارها اليميني المتشدّد بقيادة بنيامين نتنياهو، تبدو وكأنها تنظر إلى الصراع مع إيران على أنه بوابة استراتيجية لإعادة صياغة المشهد الإقليمي بأكمله، من خلال ضرب النظام الإيراني وشلّ أذرعه، وصولًا إلى فرض وقائع سياسية جديدة على فصائل المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس.

وأشار إلى أن إضعاف طهران يضع فصائل المقاومة في حالة فراغ استراتيجي، يدفعها نحو الانكشاف الكامل، ويجبرها - تدريجيًا أو قسرًا - على تقديم تنازلات كبيرة، قد تصل حد القبول بالاستسلام غير المشروط، وهي النتيجة التي يأمل نتنياهو في استثمارها لفرض نهاية شاملة للحرب، وليس مجرد "صفقة" مؤقتة بجدول زمني محدود.

ونوّه البستنجي إلى أن الربط بين مسار حرب الإبادة الجارية في غزة ومآلات الحرب الإسرائيلية - الإيرانية لا يعد مصادفة؛ فهو جزء من بنية تحليلية مركبة داخل العقل السياسي الإسرائيلي، فكلما توسّع نطاق الهجوم على إيران وتآكل نفوذها الإقليمي، كلما ازداد الضغط على المقاومة في غزة، على مستوى القرار السياسي ذاته.

وبالفعل، فقد شرعت إسرائيل في استهداف شخصيات فلسطينية محسوبة على التيار الإيراني داخل حركة حماس، في مسعى مكشوف لعزل الحركة عن عمقها الإقليمي، ولا يُستبعد أن نشهد في الفترة القريبة القادمة محاولات لاغتيال شخصيات قيادية بارزة مثل خليل الحية، بعد أن تمّت تصفية معظم قيادات الصف الأول العسكري داخل غزة، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر أن موقف حماس بدا متذبذبًا بين الرفض الأولي لمقترح "ويتكوف"، ثم العودة للموافقة عليه بشكل معدل شكليًا دون أن يمسّ جوهر بنوده، وهو ما يعبّر عن محاولة للمناورة في ظل اختلال موازين القوى واشتداد الطوق السياسي والإنساني حول القطاع، وقد طلبت الحركة، نتيجة صعوبة الطيران المباشر من تل أبيب إلى الدوحة بفعل إغلاق الأجواء، توقيع الاتفاق في شرم الشيخ، غير أن نتنياهو رفض إرسال الوفد، معلّلًا ذلك بأن المفاوضات لم تصل إلى مستوى "النضج السياسي" الذي يستدعي توقيعًا مباشرًا.

وفي تعليقه على هذا الموقف، صرّح أحد قادة حماس بأن المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار أصبحت "شبه متوقفة"، مُحملًا المسؤولية لغياب الجدية لدى الجانب الإسرائيلي، وتداعيات التصعيد الإيراني - الإسرائيلي التي أفرغت طاولة التفاوض من مضمونها، وقد وصف ما يُروّج في الإعلام الإسرائيلي عن "تقدّم في التفاوض" بأنه مجرد دعاية تضليلية، لا تمت للواقع بصلة.

وعلى الرغم من انسحاب جزئي لبعض الوحدات الإسرائيلية من داخل غزة، فإن العمليات العسكرية لم تتوقف، وسجلُ الشهداء يتزايد يوميًا، في ظل شحّ فادح بالمساعدات، واستمرار مأساة "شهداء الطحين"، وما زالت حالة الكماشة مفروضة بقوة على خانيونس، بينما استرجعت إسرائيل جثامين ثمانية أسرى فلسطينيين، مما أضعف القيمة التفاوضية لورقة الأسرى تدريجيًا، وساهم في تشدد إضافي لدى القيادة الإسرائيلية.