تحولات مقلقة في عقيدة جيش الاحتلال
قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن الضربات الإسرائيلية الأخيرة، تكشف عن تحوّل مفصلي في العقيدة العسكرية الجوية للعدو، قوامه الانتقال من نموذج "التفوق الجوي التقليدي" إلى نموذج "الهيمنة الكاملة على مسرح العمليات عبر التمدد الذكي والضربات النوعية"، بما في ذلك القدرة على الوصول إلى أهداف متحركة في مساحات جغرافية شاسعة، دون الحاجة لتموضع بري مباشر أو تكاليف بشرية باهظة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن مسألة الوصول إلى أهداف استراتيجية بعيدة - مثل منشآت نووية إيرانية أو مراكز حوثية قيادية محصّنة - مثّلت تحديًا لسلاح الطيران الإسرائيلي، لا سيما في ظل طول خطوط الإمداد واعتماد الطيران على التزود الجوي بالوقود، الأمر الذي دفع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى الاستثمار طويل الأمد في تطوير القنابل خارقة للتحصينات، وصقل مهارات الطيارين على عمليات معقدة خارج نطاق الرؤية المباشرة.
وبيّن البستنجي أن المعادلة اختلفت مؤخرًا، إذ إن استخدام البحر الأحمر كمسرح انطلاق لضرب ميناء الحديدة في اليمن، وورود تقارير حول إطلاق صواريخ من داخل الأراضي الإيرانية أو من قواعد جوارها – كما في أذربيجان – يشير إلى أن "الضربة من الداخل" باتت ممكنة، وربما متاحة عبر منصات لوجستية متنقلة أو اختراقات استخبارية داخلية، مضيفًا أنه شكل جديد من الحرب الجوية من خلال التموضع في الظل، والضرب في الضوء.
وذكر أن هذا التحول يحمل دلالات خطيرة، فمع تطور الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة، والقدرة على إدماج المعلومات الاستخبارية مع القرار الفوري، تصبح عمليات الاغتيال أو القصف الانتقائي لقادة محور المقاومة – من عبد الملك الحوثي إلى رموز الحرس الثوري – ممكنة خلال دقائق معدودة، مستطردًا أن التهديد بات قائمًا ومركّبًا، يعيد تعريف مفهوم الردع ويقلّص زمن الاستجابة، ويجعل من "الاغتيال عن بعد" إستراتيجية متكاملة بحد ذاتها.
ونوّه البستنجي إلى أن الأخطر من ذلك يتمثل في النمط العملياتي الذي يتغذى على بنية تنظيمية إسرائيلية تتسم بالتكامل بين السياسي والعسكري والاستخباري، حيث تتنافس أجهزة الدولة العميقة على تنفيذ رؤية استراتيجية تقوم على "المبادرة لا الاستجابة"، و"الاستباق لا الرد"، ما يجعل كل لحظة تأخّر من خصومها، بما فيهم إيران واليمن وحلفاؤهما، كلفة وجودية لا زمنية.
وفي ظل هذا الواقع المستجد، تغدو الأسئلة أكثر إلحاحًا،
فهل نمتلك في المقابل عقيدة ردع متماسكة؟،
وهل نمتلك تكنولوجيا قادرة على مواكبة التحولات في ميدان الحرب الحديثة...
أم أننا لا نزال أسرى خطابية المقاومة دون امتلاك أدوات استشراف المستقبل أو إنتاج الحلول الدفاعية الاستباقية؟، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأردف أن اللحظة الاستراتيجية التي نعيشها اليوم لا تحتمل التردد، ولا تسمح بالاكتفاء بردود الفعل، فنحن أمام مشهد يعاد فيه رسم ملامح الجغرافيا السياسية للمنطقة من خلال هندسة جوية جديدة، فيها السماء ليست سقفًا، وإنما ساحة قرار.