إسرائيل تجر الجميع إلى خريطة شرق أوسطية جديدة لا تُبقي ولا تذر
قال المحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة إننا نعيش اليوم لحظة مفصلية من متتاليات "طوفان الأقصى"، تتجاوز كونها حلقة عسكرية عابرة، إلى تحوّل استراتيجي أشمل تعيد فيه إسرائيل رسم ملامح الهيمنة الإقليمية، بعد أن أحكمت ضربات دقيقة وممنهجة على بنية خصومها، مستغلة لحظة التمزق الإقليمي والانكفاء الدولي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الهجوم الإسرائيلي الأخير داخل العمق الإيراني، يعد إعلانًا صريحًا عن تدشين طور جديد في الصراع، تسعى فيه إسرائيل لاجتثاث ما تبقى من منظومات الردع، بعد أن أنهكت أذرع إيران في المنطقة وحيّدتها نسبيًا: من اليمن، مرورًا بالعراق، ووصولًا إلى سوريا، ولبنان.
وبيّن العياصرة أن ما يحدث تمهيد مدروس لما يمكن وصفه بـ"العصر الصهيوني الجديد"، وهو مشروع يسعى إلى فرض إسرائيل كمركز ثقل استراتيجي تتقاطع عنده كل خطوط القرار الإقليمي، متجاوزًا حدود الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلى مشهد اشتباك إقليمي معقّد تُستخدم فيه أدوات القوة الناعمة والصلبة على حد سواء.
ورأى أنّ المنطقة تُدفع اليوم، بفعل هذا التصعيد الإسرائيلي، إلى إعادة تشكيل بيئتها الاستراتيجية، حيث باتت إسرائيل تُقدّم نفسها كلاعب محوري، لا يتردد في ضرب أي طرف إقليمي، مستندة إلى فجوات الردع وهشاشة الأنظمة، وسكوت الفاعلين الدوليين، بمن فيهم الولايات المتحدة، التي وإن نفت مشاركتها في الضربات الأخيرة، إلا أن صمتها يُفسَّر كضوء أخضر ضمني.
وأردف العياصرة أن استثمار نتنياهو لحرب 7 أكتوبر، وتوظيفها ضمن سردية الدفاع عن النفس، ليس إلا غطاءً لتحريك مشروع قديم لطالما راود المؤسسة الصهيونية، ألا وهو مشروع كسر إيران واستئصال تهديدها، وإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة بما يضمن التفوق الإسرائيلي المطلق.
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجية، القائمة على "قطع الأذرع تمهيدًا لضرب الرأس"، جعلت من الداخل الإيراني اليوم أكثر انكشافًا، حيث أكّدت الضربات الأخيرة ضعف البنية الاستخباراتية وغياب الحماية عن قيادات الصف الأول، إلى جانب استهداف البنية التحتية للبرنامج النووي.
ونوّه العياصرة إلى أن الرد الإيراني المحتمل يبدو محكومًا باعتبارات داخلية خانقة، وخوف من انهيار المنظومة، فضلًا عن تعقيد المشهد الخارجي، فمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يستعد لتصعيد محتمل بإعادة تفعيل العقوبات، وترامب يمنح إيران مهلة 60 يومًا، في حين يراقب الداخل الإيراني انكشاف "الكرامة القومية" دون رد ملموس.
وهكذا، يصبح الخاسر الأكبر في هذه المرحلة هو مفهوم "الأمن الإقليمي" ذاته، الذي بات يتآكل أمام تمدد المشروع الإسرائيلي، وانكفاء الدول العربية، في مشهد يُنذر بإعادة صياغة المنطقة وفق شروط الغلبة الإسرائيلية، لا وفق موازين العدالة أو الحق التاريخي.
وفي هذا السياق، أشاد العياصرة بالموقف الأردني الذي تمسّك بسياسة النأي بالنفس، ورفض استخدام مجاله الجوي من قبل أي طرف من أطراف النزاع، وهي خطوة تعبّر عن رؤية سياسية حذرة ومسؤولة، تهدف لحماية الداخل الأردني من تداعيات تصعيد مفتوح على كل الاحتمالات.