3 سيناريوهات للرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل على أهداف داخل الأراضي الإيرانية مثّلت ـ في جوهرها ـ تحوّلًا نوعيًا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، ورسالة استراتيجية مركبة، مفادها أن مرحلة "التهديد النووي عند العتبة" لم تعد مقبولة ضمن هندسة الردع الإقليمي، وأن تثبيت موقع إسرائيل كلاعب مهيمن على خريطة الصراع الشرق أوسطي يمرّ عبر تحطيم سقف التهديد الإيراني، لا التعايش معه.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن طهران تقف الآن على مفترق طرق حاسم، بين منطق الاستمرار بوصفها فاعلًا إقليميًا يراكم النفوذ من خلال الوكلاء، أو الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تُفضي إلى إعادة إنتاج كامل لتموضعها الجيوسياسي والعقائدي، داخليًا وخارجيًا.

وبالاستناد إلى التحليل الاستراتيجي لطبيعة النظام الإيراني، يمكن استجلاء ثلاثة سيناريوهات رئيسة تشكّل فضاء الرد الإيراني المحتمل، هي: خيار الانحناء للعاصفة – الاعتراف الضمني بالخسارة الاستراتيجية، إذ ينطوي هذا السيناريو على مقاربة دفاعية تقوم على تجنب الانجرار إلى صدام شامل، عبر تقليص سقف الخطاب التعبوي، والاحتماء بتبريرات سياسية أو إعلامية تحيل الضربة إلى مجرد "حدث محدود"، ويعني هذا الخيار ـ ضمنيًا ـ إعادة ترتيب الأولويات الداخلية، وترحيل المواجهة إلى الزمن المؤجل، وربما ـ في مراحل لاحقة ـ الانخراط في خطوط تواصل خلفية مع واشنطن وتل أبيب، تحت عنوان "احتواء التهديد الإقليمي المشترك"، وهو ما يعيد إلى الأذهان نموذج كامب ديفيد بصيغة مقلوبة.

ورغم أن احتمال تحقق هذا الخيار يبدو ضعيفًا من الناحية الواقعية، نظرًا إلى الطبيعة الإيديولوجية الصلبة للنظام، وتعقيد البنية الحاكمة داخليًا، إلا أنه لا يمكن استبعاده بالكامل في حال توفرت بيئة ضغط دولية تضمن للنظام الحد الأدنى من البقاء دون تنازلات كارثية، وفقًا لما صرّح به البستنجي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

أما الخيار الثاني فيتمثل في الرد التصعيدي – انزلاق مُمنهج نحو المواجهة المفتوحة، وفي هذا المسار قد تختار طهران الذهاب إلى رد عسكري متدرج يتجاوز الرمزية الشكلية، ما يدفع إسرائيل إلى إعادة التصعيد، ويحوّل الصراع إلى دوامة استنزاف واسعة، يتقاطع فيها المسار العسكري مع اهتزازات اقتصادية داخلية، وتفكك اجتماعي محتمل، ويبدو أن هذا الخيار هو الأكثر تفضيلًا لدى صناع القرار في تل أبيب، الذين يدركون أن دفع خصمهم نحو ساحة معركة مُختارة سلفًا هو أقصر الطرق لإنهاكه وتفكيك منظومته من الداخل، وفق قاعدة "الهندسة العكسية للصراع".

ونوّه البستنجي إلى أن خطر هذا السيناريو يكمن في ما قد يولّده من موجات فرعية داخل المجتمع الإيراني، خاصة في ظل تراكم أزمات الشرعية، وتآكل الثقة بالمؤسسات، وتزايد مؤشرات الاحتقان الشعبي، ما يوفر بيئة مثالية لعودة ماكينات التجنيد الاستخباري، وفتح بوابات الفوضى السياسية.

أما الخيار الثالث فهو الرمادي – تثبيت الرمزية وتدوير الخطاب، أي قد تتجه طهران إلى خيار أكثر واقعية، يوازن بين ضرورة حفظ ماء الوجه أمام الداخل والخارج، وبين إدراكها لمحدودية القدرة على المواجهة المباشرة، وذلك عبر تبني خطاب يُقلل من أهمية الضربة، ويُضخم من قدرتها على امتصاصها، مع تنفيذ رد محدود لا يستدعي ردًا إسرائيليًا شاملًا، وفي هذا السيناريو، يعاد توجيه البوصلة الاستراتيجية إلى أدوات الحرب غير المتكافئة، وتفعيل الأذرع الخارجية، مع إحياء خطاب "المقاومة بالوكالة" بديلًا عن الاشتباك المركزي.

وأشار إلى أن السيناريو الأخير هو الأرجح، بالنظر إلى تعدد مواقع البرنامج النووي، واستمرار عمل البنية التحتية الحيوية، إضافة إلى رغبة النظام في تجنب التورط في مواجهة تستنزف موارده، وتُعرض رأس السلطة لهشاشة داخلية قاتلة.

واستطرد البستنجي قائلًا إن الضربة الإسرائيلية ـ على قسوتها ـ ليست نهاية الفصل، وإنما بدايته، مضيفًا أنها نقطة انعطاف في معادلة الردع الإقليمي، ورسالة قاسية إلى النظام الدولي مفادها أن قواعد الاشتباك التقليدية في طريقها إلى الانهيار، وسواء اختارت إيران الرد أو التجاهل أو المراوغة، فإن الجغرافيا السياسية للمنطقة دخلت طورًا جديدًا، يُكتب فيه التاريخ بالحسابات الباردة والرسائل الساخنة.

وأردف أننا أمام مشهد يتشكل بين ركام الغارات وظلال الأنفاق النووية، وحيث تتقاطع الرواية الإيرانية بحدود الحقيقة الإسرائيلية، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا مرتبط بقدرة طهران على إعادة إنتاج نفسها كقوة متماسكة، أم أن مسارها في طور التحلل المتدرج؟.