الدباس يكتب : لماذا نقرأ التغيير.. وكأن الدولة في خطر؟!..
محمود الدباس - أبو الليث..
في الدول الحيّة.. لا يُقاس نضجها بثبات الوجوه في مواقعها.. بل بقدرتها على قراءة المرحلة.. وضبط أدواتها وفق متطلباتها..
وفي الأردن.. حيث ترتكز الدولة على مؤسسات عريقة.. نجد أن التناغم بين أركانها ضرورة.. لا ترفاً.. بين رئاسة الحكومة.. والديوان الملكي.. وقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية.. تشكّل هذه المفاصل الفريق الأساسي الذي يُدير البلاد.. ويصيغ حركتها.. ويضبط إيقاعها..
وحين يختل هذا الإيقاع.. أو تتبدل نغمة المرحلة.. يصبح التغيير واجباً.. لا خياراً.. لا لأن هناك خللاً في أحدهم بالضرورة.. بل لأن طبيعة الظروف.. قد تستدعي نسقاً مختلفاً.. أو رؤية أكثر توافقاً مع القادم..
لذلك.. لا عجب إن حدثت تغييرات متزامنة في عدد من المواقع القيادية.. بل العجب أن تُفاجأ النُخب بذلك.. أو تُهوّل الأمر.. وكأن شيئاً جللاً قد وقع.. وتبدأ التحليلات والتاويلات تملأ الفضاء..
ليس في الأمر ما يستدعي التهويل.. بل ما يستدعي الفهم..
ومن يراقب الدولة بمنظار ثابت.. لن يرى إلا الضجيج.. أما من يراها بمنظار ديناميكي.. فسيدرك أن ما يجري ليس ارتباكاً.. بل إعادة ترتيب مدروسة..
فما يجري من تعديل في المواقع الأولى.. سواء في رئاسة الحكومة.. أو الديوان الملكي.. أو الأمن العام.. أو المخابرات.. أو غيرها من المواقع السيادية.. إنما هو جزء من صيرورة ديناميكية.. ترى فيها القيادة.. أن الانسجام بين هذه المفاصل.. لا بد أن يُحفظ.. وأن ضبط الإيقاع.. لا يتم إلا بتناسقٍ تامٍ بين العازفين..
فالدولة لا تنتظر اهتزازاً لتتحرك.. بل تتحرك كي لا تهتز..
الدول التي تقع في قلب الإقليم الملتهب.. كالأردن.. تحتاج أحياناً إلى التبديل السريع في تموضع بعض رموزها.. ليس إرضاء لأحد.. بل لضبط المسار بدقة.. وتخفيفاً لأي ارتباك قد تسببه التحولات المتسارعة من حولها.. واحباناً تغيير موقع قيادي.. يتطلب تغيير بعض المواقع القيادية.. ليكون الفريق متناغماً..
فالمشهد أشبه بفرقة تتأهب لعزف جديد.. تغيّر عازفٍ أو بعض عازفيها.. لا لتقول إن مَن سبق فشل.. بل لتُبقي اللحن منسجماً.. ومتماهياً مع اللحظة..
وفي الأردن.. لم يكن يوماً هناك مَن يتشبث بموقعه.. لأن الدولة أكبر من الأسماء.. ولأن البقاء دوماً.. لمن ينسجم مع المرحلة.. لا لمن يعاندها..
وهكذا يُعاد ضبط الإيقاع في مملكتنا.. حين تُقرع طبول مرحلة جديدة.. لا تنقطع فيها الألحان.. بل تتجدد بأسلوبٍ أكثر اتساقاً مع القادم..
محمود الدباس - أبو الليث..