لدوائر القرار... 12 مؤشرًا على أزمة زواج وشيكة في الأردن
- من 75 ألفًا إلى أقل من 60 ألفًا: تراجع مستمر في عقود الزواج خلال ثلاث سنوات يكشف أزمة أعمق من مجرد إحصاءات
- حين لا تكون العزوبية الخيار الوحيد: جزء كبير من عقود الزواج يشمل مطلقات وأرامل، ما يقلّص فرص الفتيات العازبات.
- الشهادة لا تكفي: الفتاة الجامعية تعاني من أعلى نسب البطالة، رغم كونها مطلوبة كزوجة عاملة.
- زوجة بعقد دائم: الشباب يبحثون عن زوجات موظفات بثبات وظيفي، لا مجرد تعليم وشهادات.
- الدخل المشترك ضرورة لا ترف: لماذا أصبحت الزوجة "معيلة"؟
- واقع الدخل يفرض عزوفًا قسريًا عن الزواج: أجور منخفضة وغلاء معيشة يجعل الزواج رفاهية بعيدة المنال للغالبية.
- سن الزواج يتأخر: متوسط عمر الزواج يرتفع بشكل لافت بسبب تعقيدات الحياة ومتطلباتها.
- غياب الطبقة الوسطى وانهيار دعم الأسرة الممتدة: الأسرة لم تعد قادرة على مساعدة أبنائها في تكاليف الزواج كما في السابق.
- النساء يعيدن تعريف الزواج كخيار لا قدر: الفتاة اليوم ترى في الزواج احتمالًا لا حتمية، وتفضّل العزوبية على التسوية.
- شريك مشروط: النساء أصبحن أكثر وعيًا بمعايير الاختيار، من التعليم إلى البيئة الأسرية.
- حين تعيل المرأة بيتها: انقلاب في أدوار القوامة الاقتصادية
- الزواج في الأردن: من استحقاق اجتماعي إلى امتياز فردي
قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، إن منحنى الزواج في الأردن لم يعد مستقرًا، فهو يشهد تراجعًا ملموسًا عامًا بعد عام، كاشفًا عن تحوّلات عميقة في البنية الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية للمجتمع.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن عام 2021، سُجّل ما يقارب 75,300 عقد زواج، لكن سرعان ما تراجعت الأرقام في 2022 إلى نحو 63,800، ثم إلى 59,772 في عام 2023، مؤكدًا ضرورة النظر إلى هذا الانخفاض على أنه ظاهرة مركّبة تتداخل فيها عناصر البطالة، وتكاليف المعيشة، وتبدّل الأولويات، والتحولات في التطلعات الفردية.
وعندما نتحدث عن "عقود الزواج"، فنحن لا نشير فقط إلى فتيات عازبات؛ ذلك أن الرقم يشمل المطلقات والأرامل، وعلى سبيل المثال، في 2023، تزوجت نحو 13,000 مطلّقة و638 أرملة، هذا يعني أنّ حصة الفتاة العزباء من عقود الزواج تتضاءل، ما يزيد من ضغط "الفرص المتاحة" في سوق الزواج، وفقًا لما أشار إليه الخزاعي.
وبيّن الخزاعي أن المؤشرات الاقتصادية بدورها تضغط بشدة على خيارات الشباب، فالبطالة – خاصة بين النساء – بلغت مستويات كارثية، إذ تشير الأرقام إلى أن 78% من الحاصلات على درجة البكالوريوس فأعلى عاطلات عن العمل، وهذا يفرض مفارقة ملفتة للنظر، فالشاب يبحث عن فتاة متعلّمة وعاملة – لا لأن التعليم قيمة اجتماعية بقدر ما هو ضرورة اقتصادية. فدخل الفرد لم يعد يكفي لتكوين أسرة، والزوجة تحوّلت من "معينة رمزية" إلى شريكة اقتصادية أساسية.
مفارقة مريرة أخرى: أصبح الشاب يتمنّى أن تكون شريكته "مثبّتة على نظام الموارد البشرية"، لا على عقد تجريبي مدته ثلاثة أشهر، فغياب الاستقرار الوظيفي ينسحب على هشاشة القرارات المصيرية كقرار الزواج، وفقًا لما صرّح به الخزاعي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأردف أن كان الزواج في الماضي يمر عبر بوابة حفلات التخرج، يختار الشاب التخصصات "المضمونة التشغيل"، يسأل إن كانت قدّمت على "الديوان"، وهل حصلت على وظيفة، ولم يكن يبحث فقط عن شريكة حياة، وإنما عن مشروع شراكة اقتصادية متكاملة، أما اليوم، دخل الزوجة أصبح شرطًا لبقاء الأسرة نفسها، مضيفًا أن نصف المستأجرين الأردنيين مطلوبون للتنفيذ القضائي؛ بسبب تراكم الإيجارات، والزوجة الموظفة غالبًا ما تسدّد الإيجار، أو تُكمل فاتورة الكهرباء أو الماء، ومع ذلك، لا يزال البعض يتعامل مع عمل المرأة كـ"ضريبة" يدفعها الرجل، أو "تنازلًا" يمنحه إياها، بدل أن يُنظر إليه كاتفاق متبادل يستند إلى شروط واضحة ما قبل الزواج.
في مقابل هذا الضغط، نجد أن الشاب غير المقتدر، أو الذي لا يحظى بدعم مادي مباشر من أسرته، يؤجل الزواج قسرًا، فتكاليف المعيشة لا ترحم: 28% من الأردنيين يتقاضون أقل من 300 دينار شهريًا، و75% يتقاضون ما بين 300–500 دينار، وكيف يمكن لشاب أن يستأجر، ويدفع فواتير، ويؤسس بيتًا، وكل ما يملك لا يتجاوز هذا الدخل الهزيل؟، وفقًا لما طرحه الخزاعي.
وذكر أنه أمام هذه المعطيات، لم يعد الشاب "يتزوج عند التخرج"، فقد ارتفع متوسط سن الزواج ليصل إلى 31 عامًا للذكور، و29 عامًا للإناث، وبينما كان عمر 18 هو بداية الطريق نحو تكوين الأسرة، باتت سنوات ما بعد الثلاثين هي نقطة الانطلاق إن حدث الانطلاق أصلًا.
ومع اختفاء الطبقة الوسطى، لم يعد الأب قادرًا على المساهمة في تزويج أبنائه كما في السابق، وغابت الطبقة التي كانت تشكّل الوسيط الآمن بين الفقر والغنى، ومعها غابت قدرتها على تقديم السند للأجيال الصاعدة.
ونوّه الخزاعي إلى أن هذا كله انعكس مباشرة على الفتاة، ففي الماضي، كانت تنتظر "فارس الأحلام" لتحقق ذاتها من خلال الزواج، أما اليوم، فهي تحقق ذاتها بنفسها، وأصبحت ترى في الزواج احتمالًا، لا مصيرًا، ومع غياب الشريك المناسب – تعليميًا، وماديًا، ونفسيًا – لم تعد تمانع أن تبقى عزباء حتى الأربعين أو الخمسين.
واستطرد قائلًا إن التعليم والعمل والاستقلالية، كلها أعادت تشكيل سلم الأولويات عند النساء، فلم يعد الزواج هدفًا وجوديًا، بقدر ما يمثل خيارًا مشروطًا بمجموعة من المعايير: الوضع المادي، والخلفية الاجتماعية، والبيئة العائلية، وأسلوب الحياة، والطموحات المستقبلية، وحتى من تتزوج، كثيرات منهن تتفوقن ماليًا على أزواجهن، ويملكن قدرة مالية تفوقهم، ويشكلن القوام المادي الفعلي للأسرة.
واختتم الخزاعي حديثه بالإشارة إلى أن الزواج بات شبيهًا بالحج: "لمن استطاع إليه سبيلًا"، وما لم تُعالَج الإشكاليات البنيوية في سوق العمل، وتُرمَّم فجوات العدالة الاجتماعية، ويُعاد الاعتبار لدور الدولة في خلق الطبقة الوسطى ودعم الاستقرار الأسري، فسنبقى نراقب تقارير دائرة قاضي القضاة عامًا بعد عام، والأرقام تنخفض، والقلق يرتفع.