انتهاء دور "حماس" في غزة يمهد إلى هذا السيناريو
قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إنه يمكن قراءة خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، باعتباره وثيقة سياسية رمزية، تؤسس لتحوّل في الخطاب الأممي حيال ما يجري في غزة ومحيطها، إذ بدت لهجته أقرب إلى تمهيد إدراكي لمعادلة ما بعد "حماس"، بمعناها السياسي والعسكري، في إشارة ضمنية إلى أن مشهد ما بعد الحرب يتم ترتيبه على نار هادئة، وأن ما يجري ليس فقط تصفية حسابات ميدانية، بقدر ما هو إعادة ضبط استراتيجي للبوصلة الفلسطينية.
النظام العربي يتهيأ للمرحلة التالية
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الحركة التي بقيت لعقود في قلب المعادلة الفلسطينية، تبدو اليوم محاصَرة بتوافقات غير معلنة دولية – إقليمية، تدفع باتجاه تفكيك بنيتها السلطوية في قطاع غزة، تمهيدًا لإعادة تدوير "الشرعية الفلسطينية" عبر إطار جديد، قد يكون بالتفاهم مع السلطة أو عبر أدوات إقليمية وعربية موالية للغرب.
وبيّن النظامي أن المسار الأمني الميداني يتقاطع مع المسار السياسي الاستراتيجي، لتسهيل استحقاق سياسي عنوانه: "غزة ما بعد حماس"، على أن يتبع ذلك، على الأرجح، الدخول في تسوية مرحلية أوسع، تشمل الضفة الغربية والقدس، مع استدعاء أدوار عربية خليجية في إعادة الإعمار، والضبط الأمني، وترسيم خطوط التهدئة الدائمة.
الصواريخ اليمنية... أدوات تفاوض لا أدوات تحرير
وذكر أنه رغم التغطية الإعلامية الواسعة التي رافقت إطلاق الصواريخ الحوثية باتجاه البحر الأحمر أو جنوب إسرائيل، إلا أن تقييمات استخباراتية تشير إلى أن هذه الضربات لم تُسفر عن أي خسائر بشرية مباشرة في إسرائيل، ما يضعها في خانة العمليات الرمزية ذات الأبعاد التفاوضية، لا العسكرية.
وهنا، تبرز فرضية "التهدئة مقابل الاعتراف"، أي استخدام الحوثيين لهذه الهجمات كورقة ضغط مدروسة، تهدف إلى فرض الاعتراف بدولة الجنوب اليمني، ورفع الحصار، وشطب قياداتهم من لوائح العقوبات الدولية، إذ يمكن القول إن هذه المناورة تُدار بتقاطع مصالح غير مباشر مع بعض القوى الدولية التي تبحث عن صيغة لاستيعاب الحوثيين ضمن بنية الدولة اليمنية الجديدة، دون كسر التوازنات الإقليمية القائمة، وفقًا لما صرّح به النظامي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
التطبيع الهادئ... سوريا ولبنان في المسار الرمادي
وأردف أن تقارير دبلوماسية تشير إلى أن مسار التطبيع مع إسرائيل لم يتوقف، ذلك أنه يُدار ضمن قنوات خلفية غير تقليدية، وفي هذا الصدد، لا يبدو أن الدولتين – أي لبنان وسوريا - تسيران نحو تطبيع علني فوري، ولكن المؤشرات تؤكد أن ترتيبات ما بعد الحرب في غزة ستفتح الباب تدريجيًا لتفاهمات أمنية – اقتصادية، قد تتطور لاحقًا إلى اتفاقات سياسية ذات طابع تنسيقي.
ونوّه النظامي إلى أن إسرائيل، وبدعم أميركي غير مباشر، تعمل على ترسيخ حضورها الأمني في الجولان وجنوب لبنان، إما عبر ترتيبات ضمنية مع الفاعلين المحليين، أو من خلال اتفاقات أمنية جزئية تؤسس لاحقًا لحالة "سلام رمادي"، بدون توقيع رسمي، ولكن مع ضبط اشتباك دائم.
إيران ومفارقة الغياب الصامت
واستطرد قائلًا إن طهران تغيب عن مشهد غزة بشكل شبه كامل منذ بدء الحرب، مكتفية ببيانات فضفاضة وخطابات دعم رمزي، مضيفًا أن هذا الغياب يقرأه كثيرون باعتباره انخراطًا ضمنيًّا في تفاهمات غير معلنة مع واشنطن، خصوصًا في ظل تسارع الجولات غير الرسمية من المفاوضات النووية، فالطرف الإيراني، بحسب تقديرات استخبارية، لا يرغب في التصعيد حاليًا، فهو يسعى إلى الحفاظ على أوراقه باردة، خشية من تعقيد ملفه النووي، أو دفع إسرائيل والولايات المتحدة نحو خيارات عسكرية موجعة.
وفي هذا الإطار، تبدو طهران مستعدة لتقديم تنازلات تقنية جزئية، من قبيل تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، أو تعطيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة IR-6 وIR-9، مقابل تخفيف بعض العقوبات وتحرير الأرصدة المجمدة.
إسرائيل والمرحلة النهائية للمشروع التوراتي
ولفت النظامي الانتباه إلى أن ما جرى في الجنوب اللبناني، ومحور فيلادلفيا، والتمدد في الجولان، يُعدّ مؤشرات على أن إسرائيل تُنهي تدريجيًا ملف "الحدود المتنازع عليها" لصالح رؤيتها الجيوسياسية الكبرى، والتي تقوم على إعادة ترسيم فضاءها الحيوي جنوبًا، وشمالًا، وشرقًا، وضمن هذا السياق، يمكن قراءة الحرب في غزة بوصفها لحظة حاسمة، تُسقط ما تبقى من مشاريع المقاومة المنظمة، وتدشّن عهد "الردع المطلق"، و"السلام المُدار"، وليس "السلام المُتفق عليه".
إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟
وتابع أن المنطقة تقف على عتبة تحوّل تاريخي، يعبر عن تفكيك شامل لمعادلات ما بعد سايكس – بيكو، وإعادة تركيبها بما يوافق احتياجات الأمن الإسرائيلي، ومتطلبات الاقتصاد الغربي، وطموحات بعض القوى الصاعدة إقليميًا.
وفي ظل هذا التبدّل الجذري، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف دور الدولة الوطنية العربية، بعيدًا عن استنساخ خطابات الممانعة أو المساومة، وإعادة تموضع استراتيجي يُراعي تحولات المشهد، دون الوقوع في فخ العدمية أو الانبطاح.