الخطط الاقتصادية عندما تكون إعلانات أكثر من كونها سياسات
قال الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت إنه في الوقت الذي يحتفي فيه الأردن بمرور تسعة وسبعين عامًا على استقلاله، تفرض التحديات الاقتصادية نفسها كقضية مركزية لا يمكن تجاوزها أو التعامل معها بمنطق التجميل الخطابي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يواجهه الاقتصاد الأردني في راهنه لا يُعد أزمة عابرة أو نتيجة ظرف طارئ، فهو في جوهره أزمة متجذّرة، تعود إلى نمط تنموي مختل، يقوم على الهيمنة الاستهلاكية، وتهميش القطاعات الإنتاجية، والارتهان الخارجي في تأمين السلع والخدمات الأساسية.
مظاهر الاختلال وتضخم العجز والدَّين
وبيّن الكتوت أن الاختلالات الهيكلية أصبحت سمة ملازمة للاقتصاد الأردني، ويكفي التأمل في حجم العجز المزمن في الموازنة العامة وموازنات الهيئات المستقلة، والذي بلغ نحو 3 مليارات دينار للعام الحالي 2025، يتم تمويله عبر التوسع في الاقتراض، الأمر الذي أسفر عن تضخم الدين العام إلى مستويات قياسية تجاوزت 45 مليار دينار، ما يشكل عبئًا مستدامًا على المالية العامة، ويقيد قدرة الدولة على الاستثمار في التنمية الحقيقية.
الخطط الاقتصادية... إعلانات أكثر من كونها سياسات مُفعّلة
ورغم توالي الخطط الاقتصادية تحت مسميات متعددة – من "رؤية الأردن 2025" إلى "تحفيز النمو الاقتصادي"، وآخرها "الرؤية الاقتصادية والتحديث" – إلا أن هذه الاستراتيجيات لم تتمكن من إحداث نقلة نوعية في بنية الاقتصاد أو في مستويات الإنتاج، فالقطاعات الحقيقية مثل الصناعة والزراعة لا تزال تعاني من التهميش، وتكابد كُلفًا تشغيلية مرتفعة بفعل أسعار الطاقة، وأجور النقل، وكلف التمويل، فضلًا عن عبء الضرائب غير المباشرة، وهو ما يعكس خضوع السياسات الاقتصادية لمنطق النيوليبرالية الطاردة للإنتاج المحلي، وفقًا لما صرّح به الكتوت لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
فجوة العدالة والخدمات مقابل التمويل الضريبي
وبيّن أن المفارقة المؤلمة تكمن في أن الممولين الرئيسيين للخزينة – أي المواطنون – لا يجنون مقابلًا عادلًا لخضوعهم لمنظومة ضريبية شديدة العبء، حيث تتراجع مستويات الخدمات الأساسية في مجالات حيوية كالتعليم، والصحة، والنقل العام، فالجامعات الرسمية ترفع رسومها باستمرار، والمقاعد التنافسية في التعليم الجامعي محدودة، والخدمات الصحية متدهورة، والنقل العام في حالة انهيار مؤسسي، ما يجعل الإنفاق العام غير عاكس لمفهوم "العقد الاجتماعي القائم على تبادل الحقوق والواجبات".
تباطؤ النمو الاقتصادي وانهيار وعود التحفيز
وأشار الكتوت إلى أن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي لم يتجاوز 2.5% منذ عام 2011 في أحسن تقدير، ما يعكس ضعفًا هيكليًا في المحركات الاقتصادية، مضيفًا أن خطة التحفيز للأعوام (2018–2022)، والتي وُضعت كمحاولة لتفعيل النمو من خلال مشاريع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، باءت بالفشل، بسبب ضعف التنفيذ وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لتجاوز النمط الريعي في إدارة الاقتصاد.
الرؤية الاقتصادية 2033... أهداف طموحة في واقع غير ممكن
وأردف أن الرؤية الاقتصادية تعد بتوفير مليون فرصة عمل حتى عام 2033، أي ما يعادل 100 ألف فرصة سنويًا، فضلًا عن رفع معدل الدخل الفردي الحقيقي بنسبة 3% سنويًا، إلا أن هذه الأهداف، كي تتحقق، تستوجب تحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 6% سنويًا، في حين أن الاقتصاد الأردني بالكاد يراوح عند 2%، مع نمو سكاني يقارب 4%، ما يجعل الأهداف المعلنة أقرب إلى الطموح النظري منها إلى الواقعية التنفيذية.
وبحسب الرؤية، يتطلب تنفيذها توفير تمويل يفوق 41 مليار دينار، 72% منها يُفترض أن يأتي من الاستثمار المحلي والأجنبي، وهو رهان محفوف بالمخاطر في ظل بيئة تنظيمية طاردة، وعبء بيروقراطي، وغياب استقرار تشريعي ضامن لحقوق المستثمرين، أما حصة القطاع العام البالغة 28%، فتستوجب توفير أكثر من مليار دينار سنويًا من الموازنة، وهو أمر غير مرجح في ظل تآكل القاعدة الضريبية واتساع العجز، وفقًا لما قاله الكتوت.
غياب التشاركية واستمرار الهدر وتضخم الجهاز الإداري
وأشار إلى أنه لا يمكن لأي رؤية تنموية أن تُكتب لها الحياة في ظل تهميش القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، وتغييب دور الأحزاب ذات البرامج الوطنية، مقابل اتساع الانفاق الجاري، واستمرار الهدر المالي من خلال تعدد الرواتب التقاعدية للنافذين، وتضخم عدد الوزارات، وصرف امتيازات استثنائية لشخصيات حتى لو تسلمت المنصب ليوم واحد.
هل من استقلال اقتصادي في ظل التبعية الإنتاجية والضريبية؟
وتابع الكتوت أن استحضار الاستقلال الوطني في هذه اللحظة لا يُمكن أن يكتمل من دون مساءلة جذرية للبنية الاقتصادية القائمة، والتي باتت عاجزة عن توفير مقومات العيش الكريم للمواطن، وعاجزة عن حماية الإنتاج المحلي، أو بناء نموذج تنموي حقيقي. فالاستقلال السياسي لا يكتمل من دون استقلال اقتصادي مبني على الإنتاج، والعدالة، والتوزيع المتوازن للموارد، وتمكين الإنسان الأردني من مقومات العيش والعمل والكرامة.