الدباس يكتب : استقلالنا.. حين نحتفل ونحن نعمل..

  محمود الدباس - أبو الليث..

الاستقلال ليس حدثاً نحتفل به.. بل هو إحساس نعيش به.. نبضٌ يسري في العروق.. قبل أن يعلو على الألسن هتافاً.. ولا قيمة له.. إن لم يكن امتداداً في كل لحظة نكدّ فيها ونبني.. ونحلم ونحقّق..

لم نكن يوماً شعبَ مواكب وطقوس فقط.. بل كنا.. وسنبقى.. شعب الشعور والوجدان.. لذلك حين نحتفل بالاستقلال.. لا نحتفل بوثيقة وقّعت.. ولا بيوم مرّ من الروزنامة.. بل نحتفل بقدرتنا على أن نكون نحن.. رغم كل هذا العالم.. الذي لا يكفّ عن محاولات قولبتنا وشطبنا وإقصائنا..

الفرحة حين تكون مطلوبة.. تصبح واجباً.. والواجب لا يصنع بهجة.. بل يتوارى خلف الرتابة.. أما الفرح العفوي.. حين يخرج من صدور الناس.. لا من مكبرات الصوت.. فهو الذي يصنع الروح التي لا تذبل..

نعم.. نحب الأعلام التي ترفرف.. والهتافات التي تصدح.. والاحتفالات المبهرة.. ونقدّر الجهد الذي يبذله الديوان الملكي في صياغة مشهد يليق بهذه الذكرى الكبيرة.. وما الاحتفال الذي يقيمه.. الا تعببراً صادقاً عمّا يجول في خواطرنا..

وأجمل ما في الاستقلال.. هو الفرح حين تلمحه في عيون طفل يرسم علم الوطن بيده.. وفي وجه فلاحٍ ينظر إلى سنابله.. كأنها نصرَه الصغير.. الذي شارك به أجداده الشهداء..

الاستقلال ليس يوماً للماضي.. بل هو وعدٌ للمستقبل.. وكل محطة كهرباء نبنيها.. وكل مدرسة نؤسسها.. وكل مريض ننجح في علاجه.. وكل جائع نشبعه دون منّة.. هو احتفال حيّ بهذه المناسبة الخالدة..

ولعلّ أجمل احتفال يمكن أن تقيمه المحافظات.. هو ذاك الذي لا تُطبع له دعوة.. بل يخرج من الناس.. من القرى والمخيمات والأحياء.. يخرج بصور بسيطة.. بعرق المجتهدين.. وصوت الجدّات وهنّ يروين الحكاية من جديد..

نحتفل حين نكون صادقين مع أنفسنا.. حين لا نكتفي بإطلاق الألعاب النارية.. بل نضيء في داخلنا قناديل الأمل.. ونضع على أبواب الغد رايات الصبر والكفاح..

الاستقلال لا يُختصر بزمان.. ولا مكان.. لأن معناه الحقيقي.. هو أن نبقى أحراراً في قرارنا.. في فكرنا.. في خطابنا.. في زراعتنا وصناعتنا.. في قوّتنا وضعفنا.. في فرحنا وحزننا..

أن تكون مستقلاً.. يعني أن تحب وطنك دون مساومة.. وتفديه دون طلب.. وأن ترفض الفساد.. ولا تركض وراء المحسوبية.. وتأخذ حق غيرك.. وان تتمنى الخير للمواطنين.. كما تتمناه لنفسك.. 

إنه الفرح الذي لا يشترى.. والانتماء الذي لا يُدرّس في المناهج.. بل يُغرس في القلب.. ويرتوي بعرق العمل.. لا بكلمات الخطابة فقط..

كل عيد استقلال ونحن جميعاً أكثر وعياً بالمعنى.. وأشدّ إخلاصاً للفكرة.. وكل عام.. ووطننا لا يُحتفل به.. بل يُحتفل فيه..

وكل عام وسيد البلاد.. وكل شرفاء ونشامى الوطن بالف خير..