غيداء أبو طير: غزة تكشف السقوط الأخلاقي العالمي

  غيداء أبو طير

إلى متى سيستمر هذا الصمت العربي والدولي أمام معاناة شعب بأكمله؟ هذا السؤال لا يُطرح على منصات الأمم، ولا يُهمس به في ردهات المؤتمرات الباردة.

بل يتردّد في صدور الأمهات المحترقات قهرًا، وعلى شفاه الأطفال الذين وُلدوا تحت القصف، وفي كل بيت فلسطيني صمد على أطراف الموت ولم يسقط.

إلى متى سيستمر هذا الصمت العربي والدولي أمام معاناة شعب بأكمله؟ هذا السؤال لا يُطرح على منصات الأمم، ولا يُهمس به في ردهات المؤتمرات الباردة.

بل يتردّد في صدور الأمهات المحترقات قهرًا، وعلى شفاه الأطفال الذين وُلدوا تحت القصف، وفي كل بيت فلسطيني صمد على أطراف الموت ولم يسقط.

أولًا: الصمت العربي… 

من التخاذل إلى التواطؤ المشهد لا يحتاج إلى شرح: غزة تُقصف، يُنتشل الأطفال من تحت الركام، والهواء نفسه صار يشهق من فرط الدخان… فيما الأنظمة العربية تنظر كمن يرى نارًا في دار جاره ويتدفأ على وهجها.

المأساة لم تعُد في الصمت، بل في ما يحمله من رسائل. صمتٌ لا يشبه الحياد، بل يُشبه التخلي.

عجزٌ لا يُولد من ضعف، بل من قرار مُسبق بعدم التدخل. حين تفقد الشعوب الثقة في من يُفترض أنهم يمثلونها، ينكسر الرابط الأخير بين المحكوم والحاكم.

وحين يرى العدو أن الدم الفلسطيني لا يُقلق أحدًا، يُمعن في القتل، لأنه يدرك أن المذبحة بلا ثمن.

في ظل هذا التواطؤ، يُزرع في وعي الأجيال أن العدالة خرافة، وأن الخلاص حلمٌ مؤجل، وأن الرايات المرفوعة هي زينة فارغة لا ظلّ لها.

ثانيًا: الصمت الدولي… نفاق يرتدي قناع “الضمير”

المجتمع الدولي يُجيد العروض المسرحية: يدين، يستنكر، يندد، ثم يطوي الورق ويعود إلى صمته المخملي.

كأن غزة حالة “تشويش بصري” في نشرات الأخبار، يجب تخفيض صوتها، لا إيقاف نزيفها.

مجلس الأمن مشلول، يرفع يده لا ليتخذ قرارًا، بل ليحجب الحقيقة.

والبيانات الأممية تصل متأخرة، باردة، كأنها تُكتب بقفاز من حرير بينما الأجساد تُشوى تحت الصواريخ.

هذا الصمت ليس حيادًا، بل تحالف خفيّ مع الجلاد.

هو صكّ غفران للقاتل، وإعادة تدوير للضحية في قالب “الخطر القادم”. 

ومع كل مجزرة تُغسل بماء الصمت، تتسع فجوة الكراهية، ويتآكل ما تبقى من الثقة بالقانون الدولي.

جيل كامل سيكبر وهو يرى أن “العدالة” مصطلح أنيق يُوزّع حسب العِرق، لا الحق.

ثالثًا: ماذا يعني استمرار هذا الصمت؟

يعني أننا نعيش في عالمٍ مائل كميزان فاسد، يُقاس فيه العدل بلون الجثة وموقعها الجغرافي.

فلسطين، بعد كل هذه العقود، لم تعُد مجرد قضية سياسية، بل تحوّلت إلى مرآة أخلاقية تكشف قبح العالم.

موت الطفل الفلسطيني لم يعُد يُحرّك الطاولات، لكنه يُنبت أشجارًا من الغضب، ويُربّي مقاومة لا تنام.

رابعًا: الصمت ليس بلا ثمن

الصمت، يا سادة، لا يمرّ بسلام. إنه يقتل، لا بالرصاص… بل بالخيانة.

يسرق الدفء من حضن الأمهات، ويترك في الروح فجوة لا تملؤها مؤتمرات السلام ولا خطابات “القلق”.

كل يوم من هذا الصمت يُنتج لاجئين، وأطفالًا بلا مدارس، وأجيالًا بلا ذاكرة سوى القصف. سياسيًا، يُدفن ما تبقّى من أوهام الحل، ويفتح الباب أمام منطق “اللا حل”.

أما رمزيًا، فقد مات “الضمير العالمي” ودفن تحت أنقاض رفح، بينما العالم يكتب النعيّ… بخجل.

وأخيرًا…

فلسطين لن تبقى وحدها، ولكن الثمن لن يكون قليلًا.

الصمت لا يُطفئ النيران، بل يُغذيها.

وحين تفقد الشعوب الأمل في العدالة، لا تطالب بالسلام… بل تُطالب بالثأر.

غزة، رغم ما هُدم، ستبقى قائمة كجدار لا ينكسر.

وفلسطين، رغم ما خُذل، ستبقى واقفة كحقيقة لا تُمحى.

وإذا مات العالم من الخوف أو المصالح،

فصوتها… سيبقى حيًّا كنبض لا يُمكن إسكاته.