المغربي تكتب: إسلام العقل وإنكار اللسان
رولا. المغربي
بعد سنوات من الجمود الفكري والتسليم المطلق، لا بد من النظر بمرونة أكثر للمنظور الديني. لا بد من تغيير الخطاب الديني بما يتلاءم مع مستجدات العصر.
نحن في القرن الحادي والعشرين، لا يُعقل أن يبقى الخطاب الديني جامدًا بجمود عقول من يلقّن تعاليمه دون النظر فيما يجري من حولنا.
لم يأتنا الإسلام بتعاليمه ليقيّدنا أو يُحدّ من إنجازاتنا، لم تأت التعاليم لتعنّفنا وتعذّبنا. لن يُلقي بنا الله في غيابت الجب إن نحن قصّرنا في اتباع تعاليمه. وُجد الدين ليرسم لنا خارطة الحياة كما أحبها الله لنا، لكننا آثرنا أن نرسمها كما نحب لا كما أحبها لنا، فابتلينا بشقاء وقيود صنعتها أيدينا.
أصبحت الرغبة في تغيير الخطاب الديني ضرورة عصرية ملحة للبقاء على هياكلنا صلبة أمام وجودية الأمم الأخرى. علينا أن نفهم الدين بمنظور أوسع مما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا من أن الدين يفرض عليك أن تتقوقع في صولجان محرابك دون الالتفات لحاجات أمتك ومراعاة سبل رفعتها وتقدّمها.
الدين هو محرّك الأمم، وهو المشغّل لدينامو العقول، هو من ينفض عنها غبار الجمود، هو بوصلة توجهك حيث يجب أن تكون دون أن يتركك تتقوقع في محرابك.
لا بد من تغيير الصورة النمطية لشيوخ الدين، فصورة ذلك الشيخ المعصوم، والذي لا تشوبه شائبة، مهمته فقط إلقاء الفتاوى وتصنيف الأفراد إلى مسلم وكافر، وجنة ونار، وصالح وطالح.
لم يخلقنا الله تعالى ليعنّفنا ويعذّبنا.
أيعقل أننا خُلقنا لِنشقى في الدنيا؟!
نحن مقبولون عند الله بإيماننا ومعاصينا، وتسليمنا وقوتنا وضعفنا، واستكانتنا وجبروتنا. نحن مقبولون عنده طالما أننا لم نُعاكس فطرتنا التي فطرنا عليها، والتي تناسب تغيّر الحياة لننعم في معيشتنا، لكننا سنُبتلى بفقر وجوع وفقد وموت.
نطلب منه، نسأله، نلتجئ إليه، نسخط من أقداره، فلا نجد الإجابات، فنعيد الطلب واللجوء والسخط!!! عجيب أمرنا، والأعجب أمره تعالى معنا في إمهاله لنا وتحمله أمرنا.
المطلوب منّا جهد وسعي وارتقاء، جهد نبذل من خلاله ما أوتينا من قوة لنصلح أنفسنا إن ضللنا فطرتنا.
الدين لا يقتصر على شعائر، الدين هو محاولة منّا للبقاء على الإمساك بزمام أمورنا مستقيمة.
رُبط في الأذهان أن شعائرنا مرهونة بالتخلف والرجعية، لأنها قيود!! هي قيود تحافظ على تماسك المجتمعات لكي لا تقع في مستنقع الضياع. فالربا قيد مالي، وتحريم القتل قيد سلوكي، والسرقة قيد لطمع بشري، وتجريم الاحتيال قيد فكري. لذا، كان لزامًا علينا ضبط السلوك بنفس القدر الذي نسعى فيه لضبط الشعائر، فإن ضُبطت سلوكياتنا، سنهتدي لشعائرنا طائعين. لكن إن ضبطنا شعائرنا دون سلوكنا، أصبحت كالبنيان المتهالك. فمن يُخطئ قد يكون ابني، وأنا آخذه بحضني، ومن يشرب الخمر قد يكون أخي فأحتويه، ومن يسرق قد يكون صديقي فأرشده.
ثوابت الدين ثابتة لا تتغير بتغيّر الزمان.
كثيرًا ما كنت أتجنب التعامل مع غير المحجبة، كنت أنظر بدونية لمن لا يصلي، ومن لا يصوم، ومن لا يُتقن وضوءه، ومن لا يقرأ القرآن بأحكامه!!! ليعلّمنا الدين أنه علينا التوجيه والإرشاد، فمن شاء اهتدى، ومن لم يشأ ضلّ وشقي، وتُرك أمره لله.
وُجد الدين للهداية ورسم الطريق. حتى وإن سرقت، وشربت الخمر، وتمردت على النص القرآني، ستبقى مسلمًا، لكنك ستكون قيدًا من قيود أمتك. فتلك المرأة المسترجلة، والتي تريد أخذ دور الرجل وتجاهلت مسؤوليتها الرئيسية، هي قيد.
والرجل المتسلط والعنيف قيد. والرجل المائع قيد. وذلك الحاكم المتسلط الذي يضرب احتياجات شعبه عرض الحائط قيد. وذلك المحتال قيد. وتلك الزانية قيد. وذلك الفاسد قيد. وذلك الغني الذي أحاط نفسه بثرائه دون أن يلتفت لاحتياجات من حوله قيد. ومن أكل حقوق الناس قيد.
وتلك القيود تخالف الفطرة التي خلقها الله لتناسب حياتنا. لن يعذّبنا الله لأننا أخطأنا، لكنه سيعذّبنا إن استمرأنا الخطأ ولم نسترجع طريق الصواب.
لكل شريعة سماوية، جعل الله تعالى لها أساسيات وثوابت كالأركان. فإن أمسكنا بتلك الأركان (كالأركان الخمسة)، يسهل علينا البناء كيفما نرغب، فإما تُحسن البناء، وإما تشوّهه رغم أساسياته الصلبة.
لن نترك الطريق لمن يقول إن الإيمان في القلب، فإيمان القلب لن يرشدك إلى ضبط سلوكك، والكف عن الأعراض، وضبط صوتك ومشيتك وصدقك، إلّا إذا تأكدت أنك ترغب فعلًا بإصلاح نفسك.
فضبط السلوك سيضبط شعائرك، والشعائر ستكون الحلقة المكملة للفرد السويّ. الشعائر هي ذلك الاحتياج الروحي الذي سينزل عليك السكينة إن عصفت بك رياح الأفكار والوساوس.
"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين"
صدق الله العظيم.