انعكاسات قرار رفع العقوبات عن سوريا على الأردن

 

قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور الحارث الحلالمة إن الأردن يُعدّ امتدادًا جيوسياسيًا واستراتيجيًا لسوريا، من حيث الترابط السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يجعل أي تحوّل في الوضع السوري، ولا سيما قرار رفع العقوبات الأمريكية، حدثًا ذا أثر مباشر وعميق على الداخل الأردني.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن مثل هذا القرار، الذي جاء خلافًا للتوقعات من حيث توقيته المبكر، يحمل في طيّاته دلالات سياسية كبرى، ويُمهد لتحولات اقتصادية وتجارية مرتقبة، من شأنها إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي الأردني.

وبيّن الحلالمة أنه من المتوقع أن يسهم هذا القرار في تنشيط العديد من القطاعات التجارية الأردنية التي تأثرت طيلة سنوات الأزمة السورية، لا سيما في مجالات التبادل التجاري وإعادة الإعمار، مضيفًا أن المملكة الأردنية الهاشمية تُعدّ من الدول المرشحة للعب دور محوري في عمليات إعادة الإعمار في سوريا، سواء على مستوى البنية التحتية أو في المشاريع الاستثمارية الكبرى، بما فيها مدّ الكهرباء، وتحديث شبكات الطرق، وقطاعات النقل والطاقة.

وفي الإطار ذاته، فإن للقطاع المصرفي الأردني، الذي يحتفظ بشبكة من البنوك والمؤسسات المالية في الداخل السوري، فرصة استراتيجية لاستعادة دوره من خلال الحوالات البنكية، والتسهيلات التجارية، وتحريك سوق العملات، وهي عناصر حيوية من شأنها إحداث انتعاشة ملحوظة في الاقتصاد الأردني، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت الحلالمة الانتباه إلى أن فك العزلة الاقتصادية عن سوريا من شأنه أن يُسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتحديدًا على صعيد الأمن الحدودي، إذ لطالما شكّلت قضايا التهريب وتجارة المخدرات هاجسًا أمنيًا للسلطات الأردنية، ذلك أن وجود دولة سورية قوية، قادرة على بسط سيادتها على أراضيها، يعني ضمنيًا قدرة أكبر على ضبط الحدود المشتركة، واحتواء التحديات الأمنية العابرة للحدود.

وأردف أن هذا الانفتاح الاقتصادي والسياسي يخلق أرضية خصبة لتوسيع مجالات التعاون الثنائي، ليس فقط من خلال استيراد وتصدير السلع، وإنما عبر تبادل الخبرات، وتكامل المشاريع، وتفعيل الاتفاقيات القديمة التي جُمّدت بفعل العقوبات.

وعلى مستوى السياسات المائية، التي طالما مثّلت نقطة خلاف بين عمّان ودمشق، فإن رفع العقوبات يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة قد تُفضي إلى تسويات عادلة ومستقرة، خاصة في ظل التحديات المائية المزمنة التي تواجهها المملكة، كما ذكر الحلالمة في حديثه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر أن هذا القرار يأتي في سياق قمة خليجية استثنائية غلب عليها الطابع الاقتصادي، رغم الأبعاد السياسية العميقة التي تضمّنتها، فقد حاولت الإدارة الأمريكية، من خلال إعلان رفع العقوبات، تقديم ما يمكن اعتباره "ورقة كرامة" للدولة المستضيفة، المملكة العربية السعودية، في إشارة إلى الدور المتنامي الذي تلعبه الرياض في إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية، والتوسط بين القوى المتصارعة.

وبينما خيّمت التوقعات حول دفعٍ جاد باتجاه تحريك الملف الفلسطيني، إلا أن الزخم الأكبر انصبّ على تطبيع العلاقات مع دمشق، وتحديد أطر التعاون الاستراتيجي ما بعد العقوبات، وقد بدا أن الرئيس الأمريكي أراد عبر هذا الإعلان أن يقدّم ما يمكن تسويقه كورقة إنجاز سياسي، في ظل تعنّت الحكومة الإسرائيلية ورفضها تقديم أي تنازلات جوهرية تُحرّك ملف السلام.

وتابع الحلالمة أن التطورات المتعلقة بالملف الإيراني، والسعي لكبح نفوذ طهران الإقليمي عبر أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي، كانت حاضرة بقوة، بما فيها محاولات إعادة دمج إيران ضمن المعادلة الإقليمية بشروط جديدة، قائمة على وقف دعم التنظيمات المسلحة، والانخراط في ترتيبات أمنية خليجية أكثر شمولًا واستدامة.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن رفع العقوبات عن سوريا، وإنْ كان قرارًا أمريكيًا، إلا أن تداعياته تتخطى البعد الثنائي بين واشنطن ودمشق، لتطال دول الجوار، وعلى رأسها الأردن، الذي يجد نفسه أمام فرصة تاريخية لإعادة تموضعه الاقتصادي والسياسي، شريطة أن يُحسن استثمار هذا التحول في ظل خارطة إقليمية تتغيّر بسرعة غير مسبوقة.