البراري: غزة خارج الأولويات... وترامب يوظفها كورقة تفاوض لا أكثر

قال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حسن البراري إن ترتيب الأولويات في زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة يعكس توجهًا واضحًا نحو الاقتصاد والسياسة الكبرى، حيث تقدّمت ملفات الاستثمار، والتفاهم مع إيران، ومواجهة النفوذ الصيني على ما سواها، فيما جاء ملف غزة في مرتبة متأخرة، إن لم يكن في هامش الاهتمام الفعلي. 

وأوضح لدى حديثه لقناة المملكة، رصدته صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يطرحه ترامب ينطلق من حسابات استراتيجية باردة، محكومة بمنطق الصفقة والمنفعة، لا من قراءة إنسانية أو حقوقية.

وبيّن البراري أن هذا الترتيب يُجسّد ما يعتبره البعض واقعًا أوسع، ألا وهو أن غزة لم تعد أولوية بالنسبة لدول الخليج، إذ إن العلاقة الأمريكية الخليجية تُدار على مستويين، ثنائي وآخر استراتيجي، حيث لكل دولة من دول الخليج مقاربتها الخاصة تجاه واشنطن، وغالبًا ما تكون هذه المقاربات مبنية على ملفات اقتصادية، أو تفاهمات أمنية، أو ترتيبات إقليمية خاصة، وليست بالضرورة ذات صلة مباشرة بالقضية الفلسطينية أو بمأساة غزة.

ولفت الانتباه إلى أن دول الخليج لا تتبنى موقفًا موحدًا أو خطة جماعية مشتركة تجاه الولايات المتحدة في ما يخص غزة، فهي تميل إلى التعاطي مع واشنطن من خلال قنوات ثنائية، تضع فيها أولوياتها الخاصة، مثل الملف الإيراني، وصفقات التسلح، والفرص الاستثمارية، بعيدًا عن منطق المقايضة السياسية الكبرى أو المواقف الموحدة.

وأشار البراري إلى لحظة فارقة تمثلت بمقال هيلاري كلينتون الشهير في مجلة "فورين بوليسي"، والذي طرح نظرية إعادة تموضع السياسات الأمريكية نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين، إذ ومنذ ذلك الحين بدأت واشنطن عملية "فكّ الاشتباك" الأمني مع الخليج، ما دفع بعض دوله إلى دعم ترامب خلال ولايته الأولى، أملًا باستعادة الحماية أو إعادة صياغة العلاقة وفق أولويات جديدة.

وطرح رؤية مغايرة، تتمثل في أن غزة تمثل العدسة المركزية التي يمكن من خلالها تقييم صدقية السياسات الأمريكية، مؤكدًا أن واشنطن لم تفشل في الضغط على حكومة نتنياهو، ذلك أنها لم تمارسه أصلًا، فهي على العكس، دعمتها ميدانيًا عبر إعادة تزويدها بالذخائر الثقيلة، وأمّنت لها غطاءً سياسيًا دوليًا يحول دون صدور أي إدانة فاعلة في مجلس الأمن أو عبر الأمم المتحدة.

وأردف البراري أن الولايات المتحدة لا ترى تناقضًا بين استمرار علاقات الخليج الاقتصادية مع الصين، واستمرارها هي في تقديم مظلّتها الأمنية لتلك الدول، مقابل أثمان متزايدة، فواشنطن لم تعد بحاجة إلى نفط الخليج كما في السابق، لكنها لا تزال بحاجة إلى دول مثل السعودية، التي توصف بـ"محدد السعر" العالمي للنفط، وهو ما يمنحها تأثيرًا استراتيجيًا بالغًا.

واستطرد قائلًا إن أقصى ما يمكن أن يقدّمه ترامب – إذا ما قرر توظيف ورقة غزة سياسيًا – هو الضغط على حكومة نتنياهو لتقديم تنازل محدود، من قبيل القبول بهدنة مؤقتة أو الإفراج عن بعض الرهائن، وليس الدخول في مسار تفاوضي جاد يُفضي إلى وقف شامل للحرب أو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، أما من يراهن على أن ترامب قادر على فرض حل أو تقديم تسوية شاملة نيابة عن إسرائيل، فيُتهم بأنه يغالي في التفاؤل، ويتورط في قراءة تتجاوز الوقائع ومعادلات القوة الفعلية.