نصراوين يكتب: رد قانوني على موقع Middle East Eye

  أ. د. ليث كمال نصراوين

نشر موقع إلكتروني يسمى Middle East Eye قبل أيام تقريرا صحفيا تضمن توجيه تهم وادعاءات باطلة للأردن بأنه يستفيد ماليا من المساعدات الجوية التي يقوم بإرسالها للأشقاء في قطاع غزة، وبأن الحكومة الأردنية تحقق أرباحا طائلة عن كل رحلة جوية تقوم فيها بنقل المواد الغذائية الضرورية لإبقاء الغزيين على قيد الحياة، حيث يذكر التقرير تزييفا مفتعلا للحقائق بهدف تشويه سمعة الأردن والدور الذي يقوم به لنصرة القضية الفلسطينية.

إن هذا الموقع الإلكتروني المشبوه، والذي سبق للعديد من الدول العربية كالسعودية والإمارات والبحرين أن حظرته بسبب مواقفه العدائية وارتباطاته بجماعات إسلامية متطرفة وحركة حماس المعادية للأردن، قد اعتاد على نشر هذه التقارير بغرض لفت أنظار العالم إليه والتكسب على حساب الدول.

فتوقيت نشر هذا المحتوى الإلكتروني بعد القرارات الحكومية الأخيرة بحظر جماعة الإخوان المسلمين المنحلة والذي عارضته بعض الحركات السياسية الداعمة لهذا الموقع، يؤكد وجود نية مبطنة لدى القائمين على إدارة هذا الموقع للإساءة للدولة الأردنية.

إن موقف الأردن من القضية الفلسطينية - والتي تعمد معد هذا التقرير المزيف تجاهله - ينطلق من عدة ثوابت تاريخية وسياسية وقانونية راسخة وثابتة. فعلى الصعيد التاريخي، كان الأردن ولا يزال يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الأزلية التي دافع عنها وقدم الغالي والثمين من دماء أبنائه في القوات المسلحة الذين استشهدوا على أبواب مدينة القدس دفاعا عن الأقصى والمقدسات الدينية.

وعلى الصعيد السياسي، كان الأردن وعلى الدوام الصوت الدولي الحي للقضية الفلسطينية؛ فجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يحمل هم الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته في ترحاله ولقاءاته الدولية. فهو دائما ما يحث دول العالم على الوقوف موقفا واحدا ضد الغطرسة الصهيونية وما تقوم به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تصرفات تهدف إلى تهويد الأراضي الفلسطينية، وتغيير الواقع التاريخي لمدنها وقراها بشكل يخالف القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتي تعتبر القدس مدينة محتلة يجب عدم المساس بديمغرافيتها السياسية والتاريخية.

فمن المخجل اتهام الأردن بأنه ينتفع ماديا من المساعدات الجوية التي يقدمها للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في الوقت الذي يناشد فيه جلالة الملك دول العالم لتقديم المساعدات الإنسانية لهم من غذاء ودواء وماء. فالأردن يقوم بهذا الدور ويتحمل وزر الأخطار والتكلفة المالية المترتبة على دعم الأشقاء الفلسطينيين بسبب سكوت المجتمع الدولي وتخاذله عن تقديم يد العون لأكبر كارثة إنسانية تشهدها البشرية، والتي تفوقت من حيث جسامة الأفعال والنتائج على الحروب العالمية الكبرى.

ففي خطابه الأخير بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2024، أكد جلالة الملك ضرورة التعاون مع الأردن لإيجاد بوابة دولية تعمل على إيصال المساعدات الإنسانية بأشكالها المختلفة إلى الشعب الفلسطيني، فأعلن أن الأردن على أتم الاستعداد لتوفير جسر جوي لإيصال المعونات اللازمة لسكان قطاع غزة. إلا أن العالم لم يستجب لصرخات جلالته الإنسانية، فكان البديل الوحيد أمام الأردن أن يستمر في إرسال المساعدات الضرورية لكي يبقى الغزيون صادمين متمسكين بعدالة قضيتهم وبترابهم الوطني.

وفي لقائه مع الرئيس ترامب، أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني عن استعداد الأردن لاستضافة ألفي طفل من قطاع غزة المصابين بالسرطان للعلاج في مستشفياته ومراكزه الصحية، وهو القرار الذي لقي استحسان الرئيس الأميركي واستغرابه في الوقت نفسه، مما دفعه إلى توجيه عبارات الشكر والتقدير لجلالة الملك أمام كافة وسائل الإعلام العالمية.

ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس ترامب يتحدث عن نقل الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة بحجة توفير الحياة الفضلى لهم، أظهر جلالة الملك الجانب الإنساني منه بأن أعلن أن أطفال غزة سيأتون إلى الأردن للعلاج من الأمراض الخطيرة التي يعانون منها وبالمجان. ورغم هذه المواقف الملكية تصر بعض الأقلام المتطرفة على مهاجمة الأردن واتهامه بالانتفاع المادي من القضية الفلسطينية.

ويبقى الجانب الأهم من الموقف الإنساني اتجاه الأشقاء الفلسطينيين يتمثل بأن الدعم الأردني بكافة صوره وأشكاله يعد تجسيدا حقيقيا لمواقف الدولة الأردنية وثوابتها الوطنية كما نص عليها دستورها. فالمادة الأولى من الدستور تنص صراحة على أن "الشعب الأردني هو جزء من الأمة العربية". وهذا الحكم الدستوري الذي طالما التزمت به الدولة الأردنية منذ تأسيسها، يفرض على الحكومات المتعاقبة أن تقدم الدعم والمساندة للأشقاء العرب، ذلك على اعتبار أن الشعب الأردني جزء منهم، وأن ما يصيب الشعوب العربية من أفراح وأتراح يشاركهم بها الأردنيون الذين يفخرون بعروبتهم وبانتمائهم لهذه القومية العربية.

إن هذا المبدأ الدستوري بأن الشعب الأردني هو جزء من الأمة العربية، قد دفع بالراحل الحسين بن طلال إلى إصدار القرار بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في عام 1988، وذلك استجابة للقرارات التي أصدرها القادة العرب في القمم العربية التي عُقدت في تلك الفترة، والتي تضمنت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطيني ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. فانطلاقا من أن الشعب الأردني ودولته ملتزمون بالقرارات التي يصدرها قادة الشعوب العربية، جاء القرار بإنهاء الارتباط بين الأردن والضفة الغربية والذي دام لعقود من الزمن.

وها هو الأردن مستمر في التمسك بتطبيق نصوص دستوره الوطني وملتزم بانتماء شعبه إلى الأمة العربية، فيبادر باسم الشعب الأردني الأصيل إلى تقديم المساعدات المجانية للغزيين ودعمهم بكافة السبل والوسائل لتمكينهم من الثبات على مواقفهم وعلى ترابهم الوطني.

إن الأصوات النكرة التي تهاجم الأردن وتشكك بمواقفه الوطنية لن يزيدها إلا تمسكا بالمبادئ التي تقوم عليها هذه الدولة العربية الأصيلة، والتي تعد أكثر الدول إيمانا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في العيش بأمن وسلام في دولته المستقلة.

* أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة