تقرير "ميدل إيست آي": خطير في مضمونه... هزيل في منهجيته

 

قال مؤسس مجلة المراسل للصحافة البحثية من واشنطن الصحفي عماد الرواشدة إن تقرير "ميدل إيست آي" الأخير، الذي يزعم أن الأردن تلقى أموالًا مقابل السماح بإنزال مساعدات إلى غزة، يثير تساؤلات جوهرية حول منهجيته الصحفية.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه وعلى الرغم من خطورة المزاعم التي يتناولها، سواء من حيث محتواها أو توقيتها الحساس، يبقى مستغربًا أن ينفرد موقع واحد بنشرها، دون أن تتناولها باقي وسائل الإعلام الدولية الكبرى، أو حتى تصدر عن أي منظمات معنية باسمها تصريح أو احتجاج رسمي.

وبيّن الرواشدة أن القاعدة الصحفية البديهية تقتضي أن يكون التحقيق مؤسسًا على مصادر واضحة وموثقة، لا مجهولة، وأن يُمنح الطرف المعني – في هذه الحالة الأردن – حق الرد والتوضيح، فهذا ليس فقط تقليدًا أخلاقيًا في الصحافة الغربية، وإنما واجب قانوني يضمن الحد الأدنى من العدالة الإعلامية، إلا أن التقرير أغفل ذلك تمامًا، وكأن الهدف لم يكن البحث عن الحقيقة، بقدر ما كان تثبيت رواية أحادية الجانب.

في العمل الصحفي المحترف، لا نمنح الطرف الآخر حق الرد من باب الكرم، ذلك أنه أداة ضرورية لحماية الصحفي والمؤسسة من الوقوع في فخ التضليل أو الفهم القاصر أو السياقات المجتزأة، والعودة للطرف الآخر تساعد الكاتب على اختبار فرضيته، ونفيها إن أمكن – تمامًا كما يحدث في المنهج العلمي، فكلما حاول الصحفي دحض فرضيته وفشل، ازدادت قناعته بها، وأصبحت أكثر صلابة في وجه النقد، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت الرواشدة الانتباه إلى أن "ميدل إيست آي" لم يفعل شيئًا من ذلك، فقد مضى قدمًا في نشر مادة خطيرة، دون تدقيق كافٍ في التكاليف أو التفاصيل الفنية أو السياقات السياسية، فعندما يزعم التقرير أن الأردن تقاضى أموالًا لقاء إدخال المساعدات، فإنه يفترض ضمنًا أن هذه المبالغ غير مبررة، ومع ذلك، لا نجد أي مقارنة بين ما دُفع فعليًا (بحسب ادعاءاته) وكلفة عمليات الإنزال الجوي، والتي تُعد – وفق بيانات الجيش الأميركي وتجارب مشابهة في سوريا – من أعلى أشكال إيصال المساعدات كلفة، وتبلغ أحيانًا عشرة أضعاف الإيصال البري، فهذه التكاليف تشمل الطائرات، التغليف، فرق التشغيل، والمظلات المتطورة الموجهة بنظام GPS. لكن التقرير تجاهل كل ذلك.

وذكر أن تعامل الجانب الأردني مع التقارير المشوهة بإغلاق الفضاء العام أو الترهيب أو حجب النقاش، فهو سلوك غير منتج، ومن يطرح أسئلة مشروعة ويطالب بالشفافية، هو شريك أصيل في حماية استقرار الدولة، لا خصمًا لها.

وأردف الرواشدة أننا أمام محتوى عابر للحدود، بلا مركزية أو مرجعية واضحة، مفتوح للتوظيف من كل الجهات: أجهزة استخبارات، جماعات مؤدلجة، وحتى فاسدين محليين، مضيفًا أن مواجهة هذه الفوضى لا تنجح بحملات التخوين، ولا بتكميم الصحافة المحترفة، ولا برفع راية الولاء الأجوف، وإنما بإعلام وطني نزيه، ومحترف، وقادر على أن يرد بالحجة لا بالصوت المرتفع.