9 أسباب وراء الهجوم الهندي على باكستان
قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إن الهجوم الهندي الأخير على باكستان جاء ترجمة لجملة من الأهداف السياسية والاستراتيجية، التي تتجاوز بكثير حدود التبريرات الظاهرة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن اللحظة الانتخابية في الهند تُطل كأول مدخل لتفكيك دوافع التصعيد؛ إذ يجد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، نفسه أمام معادلة انتخابية تتطلب أكثر من خطاب اقتصادي أو شعارات تنموية، مضيفًا أنّ الرهان الانتخابي في السياق الهندي، وبخاصة في ظل صعود الشعبوية القومية، يرتكز على إعادة إنتاج الزعامة من خلال صناعة لحظة صدامية مع «الآخر المعادي»، وهو ما يتيح لـ"مودي" توسيع قاعدته الشعبية وحشد التيارات المتشددة خلفه، مستندًا في ذلك إلى تقاطع المصالح مع القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وبيّن النظامي أن هذا التصعيد ينطوي أيضًا على رسالة موجّهة إلى الصين، حليفة باكستان الرئيسية، فمن خلال هذا الهجوم، تبعث نيودلهي بإشارات صريحة إلى بكين، في محاولة لإعادة ضبط توازنات القوة في آسيا الجنوبية، خاصة بعد أن كثّفت الهند تعاونها الاستراتيجي مع واشنطن، الأمر الذي يشي بأنّ ساحة الصراع الهندية - الباكستانية لم تعد محصورة في نطاقها الإقليمي الضيّق، فقد أضحت مسرحًا لصراع إرادات بين القوى العظمى.
وعلى ضفة أخرى من المشهد، يبرز التقارب المتسارع بين باكستان، وإيران، وتركيا، بوصفه عاملًا مقلقًا للهند، ليس فقط بسبب انعكاساته المباشرة على معادلات النفوذ الإقليمي، وإنما أيضًا لأنّه يعيد تشكيل خرائط التحالفات الإسلامية التي تنظر إليها نيودلهي بريبة متزايدة، ولذا، جاء التصعيد العسكري بمثابة محاولة استباقية لتعطيل هذا التقارب وتعقيد مساراته قبل أن يُترجم إلى مشاريع تنموية أو عسكرية ميدانية، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وذكر النظامي أنه لا يمكن إغفال البُعد المتعلق بمشروع "طريق الحرير" الذي تراهن عليه الولايات المتحدة، وإسرائيل، والهند بوصفه شريانًا جديدًا لإعادة رسم الجغرافيا الاقتصادية للمنطقة، إذ تعمل الهند على استثمار الأزمة الراهنة لتسويق باكستان منبعًا للاضطراب، وملاذًا للجماعات المتطرفة، بما يبرّر استقطاب الدعم الغربي ويوفّر شرعية لتوسيع نفوذها الاقتصادي في مقابل تحجيم دور باكستان.
ولفت الانتباه إلى أن نفي باكستان أي علاقة رسمية بحادثة قتل السياح، تحول سريعًا إلى أداة تعبئة سياسية داخلية وخارجية، إذ عمدت نيودلهي إلى توظيفها كمحفّز للخطاب الأمني، متبنية رواية تضع باكستان في موقع الدولة الداعمة للإرهاب، وهو خطاب يجد صدًى واسعًا في دوائر القرار الغربية التي تتبنى منذ سنوات مقاربة أمنية صلبة تجاه الجماعات المتشددة.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية التحالف الهندي - الأمريكي الذي شهد مؤخرًا دفعة جديدة من خلال اتفاقيات اقتصادية وتجارية، كان أبرزها إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن تخفيض الجمارك المفروضة على الصادرات الأمريكية إلى الهند، وهو توقيت لا يخلو من دلالات سياسية عميقة، تعكس طبيعة الترابط الوثيق بين التصعيد العسكري والمكاسب الاقتصادية، كما ذكر النظامي.
وأردف أنه لا يمكن بأي بحال من الأحوال إغفال المشهد الباكستاني الداخلي، الذي شهد موجات احتجاجية واسعة ضد الحرب في غزة وضد الدعم الغربي لإسرائيل، الأمر الذي استغلته الهند لتقديم باكستان كتهديد أيديولوجي للأمن الإقليمي والدولي، بما يعزز سرديتها أمام الغرب ويرسّخ موقعها كشريك يُعوَّل عليه في الحرب على الإرهاب.
وعلى الرغم من التصعيد اللافت، قال النظامي إن القيادة الهندية حرصت على ضبط الإيقاع العسكري ضمن حدود "الثأر المحسوب"، إذ شدد المسؤولون الهنود على أنّ العمليات العسكرية تهدف إلى الرد على منفذي الهجوم ضد السياح وليس إلى توسيع رقعة الحرب، وهو ما يعكس إدراكًا عميقًا لمخاطر الانزلاق إلى مواجهة نووية، لا سيما في ظل حساسية التوازنات العسكرية في جنوب آسيا.
وتابع أنه لا يمكن مقاربة النزاع الهندي - الباكستاني بمعزل عن تاريخه الطويل الممتد منذ تقسيم بريطانيا لشبه القارة الهندية، غير أنّ ما يزيد المشهد تعقيدًا في اللحظة الراهنة هو تشابك الاعتبارات المحلية مع التحولات الدولية، ما يُبقي المنطقة معلّقة على حافة احتمالات مفتوحة، تتراوح بين احتواء مرحلي للصراع وبين اندلاع مواجهة واسعة النطاق قد تكون لها تداعيات كارثية، ومهما يكن، فإن ما يجري يعيد إلى الواجهة واحدة من أبجديات علم السياسة التي سجّلها ميكافيللي منذ قرون، فحين تتحرّك الدول بدافع من مصالحها العارية، يصبح كل شيء مباحًا تحت مظلة "الغاية تبرّر الوسيلة".