شرارة إقليمية... العرب بين باكستان النووية والهند المتحالفة مع إسرائيل
قال خبير الطاقة عامر الشوبكي إن اشتعال المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان لم يكن حدثًا طارئًا على هامش المشهد الدولي، بقدر ما يمثل ترجمة مأساوية لتراكم طويل من التوترات التي ظلت تعتمل تحت سطح العلاقات الثنائية بين القوتين النوويتين في جنوب آسيا.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إسلام آباد أعلنت في اللحظات الأولى من هذا التصعيد، عن إسقاط خمس مقاتلات هندية، وذلك بعد شنّ سلاح الجو الهندي غارات مكثفة استهدفت تسعة مواقع داخل العمق الباكستاني، أسفرت عن سقوط العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، ما فاقم منسوب التوتر ودفع بالمواجهة نحو مرحلة يصعب التكهن بمآلاتها.
وبيّن الشوبكي أن ما يجري لا يمكن اختزاله في كونه اشتباكًا مسلحًا بين دولتين تتنازعان على خطوط تماس حدودية منذ عقود، وإنما ينبغي النظر إليه باعتباره تقاطعًا معقّدًا بين الصراع الإقليمي التقليدي وصيرورة التحوّل في النظام الدولي، حيث تتقاطع الحسابات النووية، والممرات التجارية، وموازين الردع، مع تحولات النفوذ في آسيا التي تشهد اليوم سباقًا محمومًا بين القوى الكبرى على إعادة صياغة تموضعها الجيوسياسي والاقتصادي.
وذكر أن الحرب التي بدأت على خلفية حدودية، تمضي بسرعة نحو تكثيف أبعادها الجيوسياسية، إذ تتزامن مع تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، ومع محاولة الولايات المتحدة تطويق المبادرات الصينية العابرة للحدود، ولا سيما مشروع "الحزام والطريق"، الذي تُعد باكستان أحد مرتكزاته الحيوية، مضيفًا أن اندلاع الصراع في هذا التوقيت لا يمكن فصله عن محاولة قوى إقليمية ودولية عرقلة الطموحات الصينية في ترسيخ ممراتها الاقتصادية الآسيوية، والتي تمر عبر إقليم يعاني أصلًا من هشاشة في بنيته الأمنية.
ونوّه الشوبكي إلى أن هناك فارقًا شاسعًا في الإمكانيات الاقتصادية والديمغرافية بين الطرفين، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للهند ما يربو على 3.9 تريليون دولار مقابل 375 مليار دولار فقط لباكستان، ويبلغ عدد سكان الأولى نحو 1.43 مليار نسمة مقابل 240 مليونًا للأخيرة، فضلًا عن تفوقها في المساحة وعدد القوات النظامية، إلا أن هذه المؤشرات الكمية لا تعني حسمًا تلقائيًا في المعادلة الاستراتيجية، إذ يمتلك الجانب الباكستاني منظومة من الردع المعنوي والنفسي تستند إلى عقيدة قتالية متأصلة، وخبرة تاريخية في إدارة الحروب غير المتكافئة، ما يجعل من حسابات التفوق العددي أمرًا نسبيًا وغير مضمون النتائج في سياقات الصراع المفتوح.
الأخطر من ذلك أن الحرب تدور في ظل امتلاك الجانبين لترسانة نووية نشطة، ما يفرض سقفًا خطيرًا لأي تصعيد قد يخرج عن السيطرة، ذلك أن منطق "الردع المتبادل"، وإن كان حتى الآن مانعًا لحرب شاملة، إلا أنه لا يُلغي احتمال الانزلاق إلى مواجهات محدودة تنطوي على استخدامات تكتيكية قد تُحدث دمارًا استراتيجيًا يصعب احتواؤه لاحقًا، فكل مواجهة تقليدية في هذا السياق تحمل في طياتها بذور الانفجار النووي، مما يجعل من هذه الحرب حدثًا وجوديًا يتجاوز أثره حدود الجغرافيا ليصل إلى معادلات الأمن العالمي، وفقًا لما صرّح به الشوبكي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ومن زاوية عربية، أشار إلى أن هذا النزاع لا ينبغي التعامل معه كحدث بعيد، أو كصراع محصور في نطاق جنوب آسيا، فهو تطور استراتيجي تمسّ تداعياته مصالحنا بصورة مباشرة وغير قابلة للتجاهل، فباكستان، عبر عقود مضت، شكّلت حليفًا غير معلن لعدد من الدول العربية، وكان يُنظر إليها بوصفها الحامي النووي غير المعلن لمنظومة الردع الخليجي، لاسيما في لحظات التهديد الإيراني المكشوفة، كما أن دعمها التاريخي للقضية الفلسطينية، ومواقفها الثابتة تجاه الحقوق العربية في المحافل الدولية، أعطتها مكانة خاصة في الضمير السياسي العربي.
في المقابل، تشهد الهند انزياحًا استراتيجيًا واضحًا نحو تعزيز تحالفها مع إسرائيل، عبر بوابات متعددة تشمل التعاون العسكري، وتبادل التكنولوجيا الاستخباراتية، وإعادة تعريف العدو المشترك، وهي شراكة تنمو بوتيرة متسارعة وتنعكس سلبًا على توازنات الشرق الأوسط، بل وتغذّي نزعات التهميش الاستراتيجي للعالم العربي في المعادلات الإقليمية الناشئة، كما ذكر الشوبكي.
وأردف أن اشتعال الحرب بين الهند وباكستان لا يمكن فهمه إلا بوصفه تجليًا صارخًا لصراع الإرادات الكبرى في آسيا، واختبارًا حيًّا لمفاهيم الردع، وإعادة تموضع النفوذ، وإعادة تعريف موقع الدول في النظام العالمي الجديد الذي لم تتّضح ملامحه بعد، مضيفًا أنه صراع يختبر قدرة الدول على حياكة تحالفاتها بعناية، وتقدير مخاطر الصمت أو الحياد في لحظة تعاد فيها كتابة خرائط القوة والمصالح.
واختتم الشوبكي حديثه بالقول إن هذه الحرب فصل من فصول المخاض العنيف الذي يسبق ولادة نظام عالمي بديل، تُختبر فيه العقائد، وتُفكك فيه التحالفات، وتُبنى على أنقاضه منظومات ردع جديدة قد تعيد تشكيل موقع العرب في توازنات القرن الحادي والعشرين.