قنبلة تل أبيب... عمل مقاوم أم فصل من فصول التلاعب الإسرائيلي؟
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات إن العثور على قنبلة موقوتة في شارع 431، جنوب تل أبيب، وفقًا لما أوردته وسائل إعلام عبرية، يمثل سياقًا يتّسم بتسارع التبدلات الميدانية على الأرض وتنامي الإرباك داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الحادث طرح جملة من التساؤلات المعقدة بشأن طبيعة التهديد، والجهة المسؤولة عنه، والأهداف الضمنية أو العلنية الكامنة خلفه، مضيفًا أنه لدى تفكيك دلالات هذا الحدث ضمن سياقه الزمني والسياسي، يمكن مبدئيًا التوقف عند احتمالين متوازيين لا يتنافيان بالضرورة، وإنما قد يتقاطعان عند مفاصل أعمق ترتبط ببنية السرديات الأمنية والسياسية لدولة الاحتلال.
أولًا: فرضية العمل المقاوم في سياق تصاعد العمليات الفردية ما بعد أكتوبر 2023
وبيّن الحوارات أنه لا يمكن فصل الحادثة عن السياق الأوسع الذي تشكل منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر من العام 2023، حيث سُجلت قفزة كمية ونوعية في وتيرة العمليات الفردية وشبه المنظمة، سواء داخل الضفة الغربية أو في مدن الداخل الفلسطيني، مضيفًا أن هذه العمليات قد تميزت، في معظمها، بسمات "البدائية التكتيكية" (من حيث الوسائل)، لكنها اتسمت في الوقت ذاته بـ"الديناميكية التفجيرية" العالية في تأثيرها الرمزي والسياسي، من خلال طعن، دهس، أو عبوات ناسفة منزلية الصنع.
ونوّه إلى أن العثور على قنبلة موقوتة في عمق المركز الإسرائيلي لا يمكن عزله عن هذا المسار التصاعدي، إذ إنه قد يشير إلى بدء انتقال نوعي من تكتيكات المواجهة المباشرة إلى ما يُعرف بعمليات "الاستهداف غير المباشر من بُعد"، وهو تطور إن ثبتت صحته فإنه يعكس تحولًا دلاليًا في أدوات المقاومة ودرجة تنظيمها، بل وقدرتها على خرق النسيج الأمني الأكثر تحصينًا، وفق الرواية الإسرائيلية الرسمية.
ثانيًا: فرضية التلاعب الداخلي في هندسة الخوف وتبرير السياسات الأمنية
في المقابل، لفت الحوارات الانتباه إلى أنه لا يمكن تجاهل احتمال أن تكون الحادثة جزءًا من هندسة داخلية ممنهجة لصناعة الخوف وتوجيه الرأي العام، عبر ما يُعرف في أدبيات الأمن بـ"التهديدات المصنعة"، والتي كثيرًا ما تُستخدم في اللحظات السياسية الحرجة لإعادة إنتاج إجماع داخلي حول السلطة، أو لتبرير إجراءات أمنية استثنائية، كتوسيع صلاحيات الشرطة، أو تصعيد القمع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وذكر أن طبيعة التغطية الإعلامية العبرية للحدث، والتي اتسمت بالضبابية وغياب التفاصيل الجوهرية (مثل الجهة المنفذة، أو طبيعة العبوة، أو حتى تسجيل اعتقالات لاحقة)، تفتح الباب أمام هذا الاحتمال بقوة، خصوصًا في ظل غياب أي إعلان مسؤولية من جهة مقاومة، ووسط أزمة سياسية داخلية تعصف بالائتلاف الحاكم، وتراجع الثقة الشعبية بالمؤسسة العسكرية منذ أحداث أكتوبر.
وأشار الحوارات إلى أن ثبوت فرضية الاختراق المقاوم أو سيناريو التوظيف الداخلي، فإن الحادثة – من حيث رمزيتها – تكشف عن تآكل متسارع في سردية "المركز الآمن" داخل دولة الاحتلال، وهي السردية التي قامت عليها نظرية الردع الإسرائيلية لعقود. ذلك أن استهداف شارع استراتيجي يقع في قلب الكيان، وخارج نطاق جغرافيا الاشتباك التقليدية، يعيد التأكيد على أن الحرب لم تعد محصورة في تخوم غزة أو حدود الشمال، بل بدأت تتسلل إلى العمق – نفسيًا وميدانيًا – داخل الكيان نفسه.
تداعيات محتملة
واستطرد قائلًا إن تداعيات هذا الحدث قد تتخذ مسارين متوازيين: فمن جهة، قد يُستخدم لتبرير تشديد القبضة الأمنية، وربما توسيع دائرة العمليات العسكرية في غزة أو الضفة تحت ذريعة الردع الوقائي، ومن جهة أخرى، قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بدأ يُظهر مؤشرات واضحة على الاحتقان وفقدان الثقة بمؤسساته الأمنية، خاصة إذا ما تبين لاحقًا أن الحادثة ناتجة عن إخفاق استخباراتي فادح.
وأردف الحوارات أن حادثة القنبلة، سواء أكانت نتاج عمل مقاوم أو فصلًا جديدًا من فصول التلاعب الدعائي، فإنها تمثل عرضًا مكثفًا لحالة الهشاشة الأمنية والإرباك الاستراتيجي الذي تعيشه دولة الاحتلال في أعقاب حرب غزة المستمرة، وهو ما يشي بأن الحرب أصبحت معركة على السرديات، تتقاطع فيها الجغرافيا بالنفسية، والميدان بالذاكرة الجمعية.