الورقة الأخيرة في يد مشتعلة... طهران وواشنطن على فوهة بركان
قال الكاتب والباحث المتخصص في الصحافة العبرية، الدكتور حيدر البستنجي، إن المؤشرات الظاهرة قد توحي بأن المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي تتجه نحو تسوية محتملة، غير أن الواقع الفعلي ينطوي على تعقيدات أعمق مما تبدو عليه الصورة السطحية، ويُنبئ بأن هذا المسار ليس طريقًا مفروشًا بالتفاهمات بقدر ما هو ميدان مملوء بالفخاخ والمفاجآت المربكة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما بين الانفتاح الإيراني المعلن على مسار التفاوض، والانجذاب الأميركي الحذر نحو تجديد القنوات الدبلوماسية، تتكشّف شبكة معقدة من العوامل الإقليمية والدولية، يُحتمل أن تنسف المسار التفاوضي من جذوره، وتزجّ بالمنطقة في دوامة صراع ممتد، يتجاوز المفهوم التقليدي للمواجهة المحدودة أو العمليات التكتيكية العابرة.
وبيّن البستنجي أن واشنطن لا تحتكر زمام المبادرة التفاوضية وحدها، فهي تتقاطع مع رؤى إسرائيلية ضاغطة، تعمل من وراء الستار على صياغة شروط صارمة تتخطى منطق التسويات التقليدية، فالإملاءات، كما تسوّقها المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، لا تقف عند حدود وقف تخصيب اليورانيوم أو تعزيز آليات الرقابة الأممية، وتمتد نحو تفكيك كامل البنية النووية الإيرانية، وإزالة القدرات الصاروخية بعيدة المدى، وفرض منظومة مراقبة دائمة ذات بعد ميداني مباشر، وهو ما يصطدم مباشرة بجوهر العقيدة الاستراتيجية الإيرانية المرتكزة على مبدأ السيادة غير القابلة للاجتزاء، والردع المتبادل غير القابل للتفاوض.
ونوّه إلى أن طهران تجد نفسها أمام معادلة بالغة الدقة، فهي من جهة عاجزة عن مغادرة طاولة المفاوضات في هذه المرحلة الحساسة، ومن جهة أخرى، ترفض الانصياع لشروط مذلّة تمسّ عمق أمنها القومي، لذا، يُتوقّع أن تنتهج مسارًا تكتيكيًا قائمًا على المناورة في ملفات جانبية - كالسماح بمزيد من المراقبة للمنشآت النووية، أو تقديم تنازلات محسوبة في مسارح جانبية مثل البحر الأحمر - دون المساس بالركائز الصلبة لموقفها التفاوضي.
وأشار إلى أن هذا الهامش قد لا يجد طريقه إلى القبول الإسرائيلي، لا سيّما في ظل تشدّد متنامٍ داخل المؤسسة العسكرية والسياسية هناك، وتنامٍ في مستوى التنسيق العملياتي مع واشنطن كلما اقتربت ساعة الحسم.
وذكر البستنجي أنه في موازاة المسار التفاوضي الرسمي، تتحرّك إسرائيل في الخفاء ضمن استراتيجية "الضغط تحت العتبة"، من خلال شنّ عمليات دقيقة تستهدف منشآت إيرانية حساسة - كميناء شهيد رجائي أو مراكز تطوير المسيّرات - في محاولة مزدوجة، مرتبطة أولًا لإرباك الداخل الإيراني، وثانيًا لإقناع الإدارة الأميركية بأن العمل العسكري يُعدّ خيارًا ضروريًا وفاعلًا إذا ما فشلت المساعي الدبلوماسية، إذ تعوّل إسرائيل على أن إيران، في هذه المرحلة، لا ترغب في تصعيد عسكري واسع، إدراكًا منها بأن أي ردّ مباشر قد يُسقط المسار التفاوضي بالكامل، ويدفع الأطراف إلى حافة الانفجار الإقليمي.
وفي حال قادت هذه التفاعلات المتسارعة إلى فشل المسار الدبلوماسي، فإن إسرائيل تبدو، وفق منطق مراكمة المكاسب، رابحة في الحالتين، سواء عبر تعطيل أي اتفاق نووي جديد، أو من خلال فرض وقائع ميدانية أحادية تُكرّس معادلات اشتباك جديدة وتستدرج الغطاء الأميركي نحو سيناريو المواجهة المفتوحة، وفي هذا السياق، يظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستعدًا لتقديم تنازلات محسوبة - تحديدًا في ملف غزة - لصالح إدارة ترامب، في سبيل الحفاظ على الاصطفاف الاستراتيجي مع اليمين الأميركي، وضمان دعمه في أية مواجهة محتملة مع طهران، وفقًا لما صرّح به في صحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ورجّح البستنجي أن يتجنب نتنياهو أي تصعيد واسع في غزة تزامنًا مع زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية، حتى لو اقتضى الأمر تعليق العمليات مؤقتًا دون توقيع اتفاق تهدئة صريح، فقط لضمان مرور الزيارة بهدوء وتفادي توتر محتمل مع واشنطن، وتبعًا لذلك، قد تنشأ نافذة محدودة - وإن ضيّقة - أمام قطاع غزة لالتقاط الأنفاس، إذا ما أُحسن استثمارها بعيدًا عن الاستدراج نحو تصعيد غير محسوب.
واستطرد قائلًا إن المشهد لا يكتمل دون الإشارة إلى قوى إقليمية، من ضمنها طهران ذاتها، لا تُخفي امتعاضها من بروز دور سعودي في ملف غزة، وقد تلجأ عبر أدواتها إلى تسخين الجبهة في توقيت حساس، في محاولة لنسف أي استقرار نسبي، ما يعقّد فرص الاستفادة من الهامش الزمني المتاح.
وبذلك، تغدو مفاوضات "الفرصة الأخيرة" أكثر من مجرد حوار ثنائي بين طهران وواشنطن، وتتحول إلى ساحة اشتباك متداخل بين قوى إقليمية ودولية تتنازع على صياغة النظام الإقليمي المقبل، وبين حقل ألغام سياسي وديناميات عسكرية متأهبة، تقف المنطقة على مفترق هشّ، إمّا انفجار شامل، وإمّا ولادة مؤجلة لمعادلات اشتباك جديدة، تتجاوز ما كان مألوفًا في السابق.