مستقبل سوريا قد يكون على محك
قال عضو الحزب الجمهوري بشار جرار إن الإدارة الأمريكية، وفق قراءتها الواقعية للمعادلات الدولية، لا تقتصر في بناء الجسور على الحلفاء والشركاء التقليديين فحسب، فهي تسعى إلى مدّ قنوات التواصل حتى مع الخصوم والأعداء، إدراكًا منها بأن الانغلاق السياسي لم يعد خيارًا مجديًا في عالم تتسارع فيه التحولات.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الإدارة الترامبية، بما تحمله من نزعة براغماتية صارخة، تعتمد أسلوب التعامل مع الوقائع كما هي، وتفتح أبواب الحوار أينما وُجدت مصلحة أمريكية عليا.
وبيّن جرار أن الرؤية الأمريكية تجاه أحمد الشرع، الذي ورث بنية النظام السوري الممتدة منذ عهد حافظ الأسد وحتى بشار، تبقى محكومة بإرث نصف قرن من العداء العلني، ليس مع الولايات المتحدة فقط، وإنما مع مجمل دول الجوار العربي، ومع تيارات قومية كحزب البعث العراقي، غير أن ترامب، الخارج عن عباءة المؤسسات التقليدية ومنهجياتها النمطية، لا يقارب المسألة من ذات الزاوية القديمة؛ فهو يبحث عن علاقات قائمة على أسس عملية جديدة، وفي مقدمتها التنسيق الجاد في ملف مكافحة الإرهاب.
وهنا تبرز الإشكالية الجوهرية: مع مَن يتعامل ترامب حقًا؟... مع الشرع باعتباره بديلاً مقبولًا أم مع رموز أخرى مثل الجولاني الذي مثّل لفترة تيارات أكثر راديكالية؟... كما تساءل، مضيفًا أن الإدارة الأمريكية لم تمنح بعد اعترافها الرسمي بهذا النظام البديل، ما يطرح تساؤلًا مصيريًا حول ما إذا تحققت الشروط الأمريكية لتعامل جاد، أم ما زالت دمشق الجديدة أسيرة سلوكيات تنظيمية لا ترقى إلى سلوك الدولة؟.
واستطرد جرار قائلًا إنّ هذه المطالب التي تم تقديمها قد تشكل بداية لمسار حوار حذر، غير أنها، وبكل تأكيد، لا تمثل نهاية الطريق ولا تشكل ضمانة كافية، إذ أن الرهان الأكبر يكمن في قدرة الطرف السوري الجديد على بناء سلوك يؤمّن استمرارية العلاقة، ويحفظ توازنات المنطقة، ويحول دون تكرار تجارب الفوضى السابقة.
وذكر أن اللحظة الراهنة، بما تحمله من تعقيدات وتشابكات دولية وإقليمية، تفرض على كل الأطراف أن تعي جيدًا أن السياسة الواقعية لم تعد تترف بترف الشعارات، وإنما تتطلب حسابات دقيقة وعلاقات قائمة على المصالح لا على الأوهام.
في قلب النقاش حول مستقبل سوريا، يظهر دور بعض المسؤولين الأمريكيين الحاسم في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، على رأسهم سباستيان غوركا، المسؤول الرئيسي عن ملف مكافحة الإرهاب في إدارة ترامب، فهو يعتبر من الشخصيات البارزة التي تعاملت مع هذا الملف منذ الولاية الأولى، وله العديد من التصريحات المثيرة التي كشفت عن شكوكه العميقة حول التحولات السياسية في سوريا، فهو كان قد عبّر عن قلقه من أن ما يحدث قد يكون مجرد "تمثيلية ديمقراطية"، محذرًا من أن الحكومة السورية الجديدة، رغم ادعائها بإحداث تغيير، قد لا تمثل إرادة الشعب السوري بكامل مكوناته، كما قال جرار لصحيفة "اخبار الأردن".
وأردف أن القوى الدولية والإقليمية تواصل محاولاتها لفرض أجنداتها الخاصة في سوريا، فيما يبقى الدور الأمريكي محوريًا في تشكيل معالم الصراع في المنطقة، مضيفًا أن الإدارة الأمريكية، وخاصة في ظل ترامب، تبقى على موقفها التقليدي بالتركيز على محاربة الإرهاب، مما يجعلها تضع ثقلها خلف من يعتبرونهم "معتدلين" سياسيًا، رغم الجدل المستمر حول حقيقة تغييراتهم الفكرية والتكتيكية.
في هذا السياق، يعتبر البعض أن شخصيات مثل أحمد الشرع قد تكون قد "غسلت يديها" من ماضيها الجهادي، بينما يشكك آخرون في أن هذه التحولات السياسية ليست سوى تكتيكًا للوصول إلى السلطة، فقط لتكرار نفس الممارسات التي عاشها الشعب السوري طوال سنوات الحرب.
واختتم جرار حديثه بالقول إن الملف السوري يظل واحدًا من أكثر الملفات تعقيدًا في السياسة الدولية، وتستمر الدول الكبرى في محاولاتها لفهم الديناميكيات المتغيرة في المنطقة، ففي ظل كل هذه التحولات السياسية، يظل السؤال الأبرز مرتطبًأ بما إذا يمكن بناء نظام سياسي سوري شامل يراعي التعددية العرقية والطائفية، أم أن الاستقطابات القديمة ستظل تهيمن على المشهد السياسي.