الحياصات يكتب: الخطاب الرسمي إلاردني

 

د. علي النحلة حياصات
في خضم تطورات ما بات يعرف إعلاميًا بـ"قضية الخلية"، بدا الخطاب الرسمي الأردني أقل اتساقًا مع نبض الشارع وأضعف من أن يواكب حجم الحدث وتداعياته. الملاحظات لا تتعلق بجوهر القضية فحسب، بل بأسلوب التعاطي الإعلامي، الذي لم يكن على مستوى التوقعات، لا في المضمون ولا في الأداء.
اليوم مثلا (كما ظهر الكثير غيره) خلال الاسبوع الماضي ، كان هنالك مقابلة للدكتور أمين مشاقبة على قناة "العربية"، بدت فيها المذيعة منتهى الرمحي أكثر تمكناً في إدارة الحوار، إلى حد جعل المتابع يشعر أن الصوت الرسمي الأردني (أو من يعبر عنه) انهزم إعلامياً. في مثل هذه القضايا الحساسة، يتطلب الأمر وجوهاً تحظى بالثقة الشعبية والرؤية السياسية العميقة، لتمثيل موقف الدولة بشكل مقنع ومتزن، خصوصاً عندما تكون الساحة الإعلامية مفتوحة على مصراعيها أمام الرأي العام المحلي والدولي.
ما حدث في مجلس النواب الأسبوع الماضي يعكس إرباكاً واضحاً في إدارة أزمة، كان يمكن أن تُطوَّق ضمن أطر مؤسسات الدولة والقانون. بدلاً من تقديم نموذج برلماني يُحتذى، ظهرت ملامح التخبط، وكأن الدولة العميقة غائبة عن المشهد، أو تفتقد أدوات التأثير الفاعلة.
في المقابل، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً لافتاً في التعبير عن الرأي العام. بعض المداخلات البرلمانية، مثل كلمة النائب صالح العرموطي، حظيت بانتشار واسع عبر الفضاء الرقمي، متجاوزة الجغرافيا والدمغرافيا، في حين غابت كافة كلمات النواب ألاخرين عن التداول، باستثناء ما نشر عبر الإعلام الرسمي الاردني طبعا.
هذا الفارق بين ما يُقال على المنابر الرسمية، وما يُتداول بين الناس، يعكس فجوة لا يمكن تجاهلها بين الدولة ومجتمعها. الأغلبية الصامتة، التي لطالما أشار إليها الراحل الملك الحسين بن طلال، لم تعد تتلقى المعلومة من منطلق الثقة، بل باتت تقرأها من زاوية الشك، أحياناً لمعاداة الدولة , واحيانا اخرى من زاوية المصالح الاقتصادية , فما كانت تقدمة الدولة الاردنية سابقا لمواطنيها , لم يُّعد متوفرا حاليا , فقد انتقلنا من الدولة الحاضنة الرعوية الى الدولة الرأسمالية التي لا تهتم لإ الى العمل والانتاج (كما يٌقال طبعا) , وبالتالي فقدت الدولة ميزة لطالما توفرت لها منذ زمن معاوية ابن ابي سفيان، وهو أمر يجب التوقف عنده كثيرا.
لذا, لا يمكن الاستمرار بخطاب إعلامي لا يعكس هموم الناس، ولا يجيب عن أسئلتهم، ولا يحترم وعيهم وعقلهم. لم تعد الدولة قادرة على كسب الولاءات عبر "الإعطيات"، ولا تكفي الشعارات والخطابات الرنانة لتأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. نحتاج إلى خطاب جديد، حقيقي، نابع من صميم الهوية الأردنية، وقادر على مخاطبة الناس بلغة تحترم عقولهم وتُطمئن قلوبهم.