إيران: التناقضات حاضرة... والامتيازات مغرية

 

قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إن المرحلة الراهنة تشكّل بداية جديّة لمسار تفاوضي محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، قد يُفضي إلى تفاهم نووي جديد، رغم استمرار التباينات الجوهرية في مواقف الطرفين.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الإدارة الأمريكية كررت موقفها الداعي إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، بما يشمل وقف عمليات التخصيب العالية، وتسليم الكميات ذات النسبة المرتفعة من اليورانيوم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى مراقبة السلوك الإقليمي لإيران من خلال أدواتها ووكلائها في بؤر الأزمات الإقليمية، لا سيما اليمن ولبنان وسوريا.

وبين العتوم أن وزير الخارجية الإيراني أعرب مؤخرًا عن تفاؤله، واصفًا المباحثات الجارية بأنها "بناءة"، في تصريح يشي بانعدام التوتر العلني حتى اللحظة، مضيفًا أن الإعلان عن تشكيل لجنة فنية مشتركة يشير بوضوح إلى أن الاتفاق، في حال تم التوصل إليه، سيكون مبنيًا من الأسفل إلى الأعلى، أي أنه سينطلق من تفاهمات تقنية دقيقة قبل الانتقال إلى الإطار السياسي الأشمل.
ولفت الانتباه إلى أن هناك فارقًا جوهريًا بين ما يُناقش اليوم وبين ما تم التوصل إليه في اتفاق 2015، فحينها، كانت إيران تمتلك أوراق ضغط أقل، وكان الاتفاق مبنيًا على معادلة "رابح - رابح"، أما اليوم، فقد تغيرت المعادلة جذريًا، ذلك أن إيران، وفق تقديرات غربية، تمتلك أكثر من 20 طنًا من اليورانيوم، منها 3300 كغ عالي التخصيب بنسبة 60%، إلى جانب امتلاكها 893 غرامًا بنسبة 20%، وتجاوز عدد أجهزة الطرد المركزي في منشآتها 21 ألف جهاز، من طرازات متقدمة مثل IR6 وIR9.

ونوّه العتوم إلى أن الأخطر من ذلك، هو حجب إيران ما يقارب 26 كاميرا مراقبة من أصل 72 تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يعني أن الوكالة لم تعد تمتلك بيانات واضحة حول تطور البرنامج الإيراني، وهو ما استخدمته طهران كورقة تفاوضية ضاغطة لزيادة مستوى الردع والتملّص من الرقابة الدقيقة.

وأشار إلى أن الساحة الدولية تشهد شبه إجماع بين واشنطن وأوروبا، بل وروسيا، على ضرورة منع إيران من عسكرة برنامجها النووي، غير أن الداخل الإيراني ذاته منقسم، فثمة تباين بين موقف المرشد الأعلى من جهة، ورؤية الحرس الثوري من جهة أخرى، حول الكيفية المناسبة للتعاطي مع المفاوضات.

وإذا ما كانت إيران قد ألمحت إلى استعدادها لتقديم تنازلات، فإن هذا لا يعني بالضرورة التنازل عن جوهر مشروعها، فطهران تشترط ضمانات بعدم انسحاب الولايات المتحدة مجددًا من أي اتفاق جديد، كما حصل في عهد ترامب، بل وتُصرّ على الاحتفاظ بكميات من اليورانيوم المخصب داخل أراضيها كنوع من "الردع الوقائي"، وفقًا لما صرّح به العتوم لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر أن إيران تستغل نافذة التفاوض لتقديم إغراءات اقتصادية كبرى للولايات المتحدة، تصل إلى ما يُقدّر بـ4 تريليون دولار من الفرص الاستثمارية، تشمل قطاعيّ الطاقة والتعدين، والاستثمار في الصناعات البتروكيميائية، وحتى ما يُسمى "الاستثمار المشترك" تحت إشراف أمريكي مباشر على المنشآت النووية الإيرانية، ضمن خطة يُتفق عليها لاحقًا.

واستطرد العتوم قائلًا إن طهران تسعى، من خلال هذه المقاربة البراغماتية، إلى تحويل التهديدات القائمة إلى فرص تعاون محتمل، أملًا في تخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية عنها، ودرء شبح ضربة عسكرية تستهدف بنيتها التحتية النووية.