الضفة تُستهدف وغزة تُستنزف... الأدوار قد تنقلب في وجه إسرائيل
قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور الحارث الحلالمة إنه يبدو جليًا أن ما تشهده الضفة الغربية اليوم لا يمكن عزله عن سياق استراتيجي أشمل، يتمثل في محاولة إسرائيلية متدرجة لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي، والسياسي، والديموغرافي في الضفة، ضمن إطار مشروع توسعي إحلالي يستهدف السيطرة على الأرض، وتفريغها ممن تبقّى من سكانها الأصليين.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الخطّة الإسرائيلية، وفق المؤشرات الحالية، تقوم على تفكيك النسيج الفلسطيني من خلال الضغط الاقتصادي، وتدهور البنى التحتية، وسياسات الإقصاء المدني، والإجراءات العقابية الجماعية، بالتوازي مع توسيع نطاق الاستيطان وقضم الأراضي بشكل ممنهج، في مسعى يهدف إلى تحطيم إمكانية وجود كيان فلسطيني متماسك في المستقبل القريب.
وبيّن الحلالمة أن التوازن الديموغرافي يمثل أحد الهواجس الكبرى للتيار الصهيوني اليميني المتشدد، الذي يرى في الوجود الفلسطيني داخل الضفة تهديدًا وجوديًا طويل الأمد، مضيفًا أن معظم السياسات المتبعة – بما فيها تسليح المستوطنين بشكل واسع النطاق من قِبل وزارة الأمن القومي - تهدف إلى خلق بيئة عدائية لا تُطاق للفلسطينيين، تُرغمهم على النزوح الطوعي، تمهيدًا لحالة ترانسفير ناعم.
ونوّه إلى أن ما يُربك هذه المخططات هو تحول نوعي في الوعي الفلسطيني الجمعي، الذي بات يدرك أن تكرار سيناريوهات 1948 و1967 بات أمرًا مرفوضًا وميؤوسًا منه شعبيًا، حيث أصبح الفلسطيني يعلم أن الخروج من الأرض يعني فقدانها إلى الأبد، لذا، نلاحظ اليوم تمسّكًا غير مسبوق بالبقاء والصمود، رغم الظروف القاسية، في تأكيد على أن المعركة لم تعد فقط عسكرية، بل وجودية وشخصية لكل فلسطيني.
ولفت الحلالمة الانتباه إلى أن هذه الرؤية في قطاع غزة تتقاطع مع تحليل بنية التفاوض الجارية، والتي تميل إسرائيل إلى تفكيكها إلى صفقات جزئية تستعيد عبرها عددًا محدودًا من الأسرى مقابل تسهيلات إنسانية، لتستخدمها لاحقًا كذريعة لاستئناف الحرب.
وأشار إلى أن المقاومة الفلسطينية، ممثلة بحركة حماس، ترفض هذا النمط من المقايضة السياسية قصيرة النفس، وتُصرّ على مقاربة شاملة تستند إلى رؤية سياسية متكاملة ترتبط بجوهر المعركة وهو رفع الحصار، ووقف العدوان، وإنهاء الاحتلال.
واستطرد الحلالمة قائلًا إن حالة التذمّر الداخلي تتصاعد داخل إسرائيل، كما تُظهره العرائض الشعبية الموقّعة من قبل أهالي الأسرى، والتي تجاوزت 120,000 توقيع، وتطالب بصفقة تبادل شاملة تعيد جميع الأسرى، أحياء وأمواتًا، بما يكشف حالة شرخ عميق بين المجتمع الإسرائيلي وصناع القرار، وتحديدًا نتنياهو واليمين المتطرف الذي يقود التحالف الحاكم.
أما على مستوى العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، فإن موقف إدارة ترامب يبدو محكومًا بتوازنات انتخابية وديناميات داخلية دقيقة، فترامب، الذي يدير الملف بمنطق الربح والخسارة، منح نتنياهو مهلة غير معلنة لإنهاء العمليات العسكرية وتحقيق إنجاز ميداني يمكن تسويقه، إلا أن فشل الجيش الإسرائيلي، بعد أكثر من 16 شهرًا من القتال، في تحقيق ما يُسمّى بالنصر المطلق، دفع حتى قيادات أمنية إسرائيلية سابقة – من ضمنها مسؤولون في الموساد – إلى انتقاد جدوى هذه الحرب وعبثيتها، وفقًا لما صرّح لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونبّه إلى أن وجود جندي إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية ومفقود في غزة، يزيد من الضغط الشعبي داخل الولايات المتحدة على إدارة ترامب، ما يُحتمل أن يُسرّع التحول في الموقف الأمريكي من دعم غير مشروط إلى مراجعة استراتيجية جزئية، خاصة إذا استمر نتنياهو في تحدي الإرادة الدولية، واستخدام الحرب كغطاء لمآربه الشخصية.
وحذّر الحلالمة من أن الأمور – بحسب المؤشرات الراهنة – تتجه نحو تآكل الغطاء السياسي والدبلوماسي الدولي عن إسرائيل تدريجيًا، بسبب تحولات في المواقف الأخلاقية، وبسبب فقدان الحرب لقدرتها على تحقيق إنجاز سياسي أو عسكري حقيقي.
وفي ظل تصاعد الرفض الشعبي الإسرائيلي، وازدياد حالة التوتر الإقليمي، وانكشاف النوايا الاستعمارية للحكومة الإسرائيلية، تزداد القناعة بأن التهجير، والتوسع، والحرب، لم تعد أدوات ناجحة لتحقيق مشروع الدولة اليهودية الآمنة، فهي باتت مدخلًا للفوضى السياسية والأمنية التي قد تنقلب في لحظة ما على صانعيها أنفسهم، كما قال الحلالمة لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.