من يتحكّم بأسعار المحروقات في الأردن؟
في خضمّ موجة الجدل الشعبي المتصاعد، الذي بات يتردّد صداه في كل مجلس ومنصة رقمية، حول أسعار المشتقات النفطية في الأردن، تبرز تساؤلات كبرى تستدعي إجابات دقيقة وشفافة، فهل هناك جهة خفية أو مصالح ضيقة تتحكم خلسةً في تسعير المحروقات؟ أم أنّ الأمر محكوم بمنظومة قانونية واضحة، تقف حائلًا أمام مثل هذه الفرضيات؟.
خبير الطاقة عامر الشوبكي، أوضح في تصريح خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، أنّ الإطار القانوني الناظم لتسعير المشتقات النفطية قائم على أسس معلنة وواضحة، حيث تتولى لجنة حكومية مختصة هذه المهمة وفق معادلة تسعير رسمية، تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المحددات العالمية والمحلية، بما في ذلك أسعار النفط الخام عالميًا، وكلف النقل والتأمين، ومصاريف التكرير، وهوامش الربح المسموح بها للشركات، إضافة إلى الرسوم والضرائب.
ونوّه الشوبكي إلى أنّ الخلل الجوهري لا يكمن في آلية التسعير بحد ذاتها، وإنما في البنية الضريبية المثقلة التي تفرضها الحكومة على هذه المنتجات الحيوية، إذ ومنذ العام 2019، اتجهت الدولة نحو فرض ضريبة مقطوعة وثابتة على كل لتر من المشتقات النفطية، وهو ما شكّل نقطة تحول مفصلية في العلاقة بين السعر العالمي للمشتقات وبين انعكاسه على السعر المحلي، لتدخل البلاد في حالة من الجمود السعري، ترتفع فيها الأسعار بتأثير السوق العالمي، بينما تتقلص تمامًا قدرة السوق المحلي على الاستفادة من الانخفاضات الدولية، ما يفسّر - إلى حد بعيد - الغضب الشعبي المتكرر عقب كل مراجعة شهرية للأسعار.
ويُبيّن أن الضريبة المفروضة حاليًا تبلغ 37.5 قرشًا على كل لتر من البنزين (90 أوكتان)، وترتفع إلى 57.5 قرشًا على البنزين (95 أوكتان)، في حين تُثقل كل من مادتي الديزل والكاز بضريبة مقدارها 16.5 قرشًا للتر الواحد، مضيفًا أن هذه الأرقام، التي قد تبدو في ظاهرها تفصيلات فنية، تكشف عند التمحيص حجم العبء الضريبي الفعلي الذي يُلقى على كاهل المواطن، وتوضح بما لا يدع مجالًا للشك أن الضرائب والرسوم تشكل في كثير من الأحيان أكثر من نصف السعر النهائي للمستهلك.
ونوّه الشوبكي إلى أن هذا الواقع خلق ما يمكن وصفه بـ"الافتعال الضريبي"، في إدارة ملف المحروقات، ما دفع فئات واسعة من المواطنين إلى طرح تساؤلات مشروعة حول جدوى هذه المنظومة، بل وذهبت بعض التحليلات الشعبية إلى الاشتباه بوجود أطراف مستفيدة من الفروقات السعرية، وهي إشارات لا ينبغي للدولة أن تكتفي بإهمالها أو تجاهلها، إذ لا بد من تفكيكها ومقاربتها بشفافية تامة تليق بثقة المواطنين.
ولفت الانتباه إلى أن شركات استيراد المشتقات النفطية لا تتحكم إطلاقًا في السعر النهائي، فهي تعمل ضمن إطار تشريعي صارم يخضع لرقابة مباشرة من الحكومة، ولا يخولها اتخاذ قرارات تسعيرية أو ضريبية، وإنما يقتصر دورها على تنفيذ عمليات الاستيراد والنقل والتوزيع وفق المواصفات الفنية المعتمدة.
"الانصاف يستدعي الإشارة إلى أن الشركات المستوردة للمحروقات لا تتحكم بالسعر النهائي، وإنما تلتزم بتسعيرة اللجنة الحكومية، وهي شركات تعمل ضمن شروط وضوابط محددة تتعلق بالمواصفات والنقل والتوزيع، لا بالتسعير أو الجباية"، كما صرّح لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
واستطرد الشوبكي قائلًا إن جوهر المشكلة يكمن منظومة ضريبية تحتاج إلى مراجعة شاملة وجذرية، توازن بين متطلبات المالية العامة من جهة، والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، فبقاء الأمور على حالها، دون إجراء إصلاحات ضريبية هيكلية، يعني الإبقاء على المواطن كـ"طرف ضعيف" يتحمّل العبء الأكبر من السياسات المالية، دون أن يكون شريكًا حقيقيًا في رسم ملامح هذه السياسات أو التفاوض بشأنها.