الأردن في ورطة ما لم يتجنب الآتي
قال خبير الطاقة عامر الشوبكي إن الإدارة الأمريكية تمضي قدمًا في استراتيجيتها الهادفة إلى إعادة تشكيل البنية التجارية العالمية عبر انتهاج سياسة "المعاملة بالمثل" في الرسوم الجمركية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هناك ضغوطًا متزايدة تمارس على عدد من الدول — وخصوصًا في منطقة الشرق الأوسط — لتقليص الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأمريكية، في خطوة يُراد بها تمهيد الطريق أمام المنتجات الأمريكية لتدخل تلك الأسواق بشروط أفضل، بل بشروط تُقارب الامتيازات التفضيلية.
وبيّن الشوبكي أن إسرائيل كانت من أوائل الدول التي استجابت لهذه الضغوط، ما يفتح الباب أمام سيناريو مماثل في دول مجاورة، منها الأردن، حيث يُطرح تساؤل ملحّ: هل تمتلك المملكة الأردنية الهاشمية المرونة المالية والاقتصادية الكافية لاتخاذ خطوة مماثلة، خاصة في ظل اعتمادها الكبير على الإيرادات الجمركية مصدرًا رئيسًا في تمويل موازنتها العامة؟.
ونوّه إلى أن تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل — في حال قررت الولايات المتحدة تصفير الرسوم على الواردات الأردنية — يفترض، من الناحية النظرية، أن يقوم الأردن بالمثل تجاه المنتجات الأمريكية، وعلى رأسها السيارات، غير أن هذا التوجه لا يخلو من تعقيدات متعددة الأبعاد، فمن الناحية التجارية، فإن خفض الرسوم الجمركية على السيارات الأمريكية فقط، دون مثيلاتها من الدول الأخرى (الصين، كوريا، الاتحاد الأوروبي)، سيؤدي حتمًا إلى اختلال تنافسي كبير في السوق الأردني، ويُحدث تحوّلًا جوهريًا في أنماط الاستهلاك لصالح المركبات الأمريكية، ما قد يُلحِق الضرر بصناعة السيارات المستوردة من بقية دول العالم.
أما من الناحية المالية، فإن فقدان الحكومة الأردنية لإيرادات الرسوم الجمركية على قطاع ضخم مثل قطاع السيارات — أحد أبرز مصادر الدخل الجمركي — سيؤدي إلى فجوة مالية حقيقية، من الصعب تعويضها في الأجل القصير. علمًا أن الأردن يعاني أصلًا من ضغوط مالية خانقة وتحديات بنيوية في هيكل إيراداته، وفقًا لما صرّح به الشوبكي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار إلى أن أي قرار بتصفير الرسوم يجب ألا يُؤخذ بمنطق الإذعان أو كرد فعل مباشر لضغوط خارجية، بقدر ما ينبغي أن يستند إلى دراسة استراتيجية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط حجم الواردات الأمريكية الحالية، وإنما أيضًا التحولات المتوقعة في السلوك الاستهلاكي، والانعكاسات على الصناعات المحلية، وهيكل السوق، والتوازنات المالية العامة.
واستطرد الشوبكي قائلًا إن المدن الصناعية، والتي قد يُستشهد بها كمقابل للاستثمار الأمريكي، لا تُمثّل حلًا بديلًا مُجديًا في هذا الإطار، كون عوائدها لا تُسهم بالشكل الكافي في تمويل الخزينة العامة، إذ تذهب معظم مكاسبها إلى المستثمرين الأجانب، في حين تبقى استفادة المواطن الأردني محدودة، لا سيما مع نسب التوظيف المرتفعة للعمالة الوافدة في تلك المناطق.
وتابع أن الاستجابة الأمثل للتحديات المفروضة من الخارج تكمن في بلورة سياسة تجارية أكثر توازنًا، تقوم على تنويع الأسواق بدلًا من الارتهان لشريك تجاري واحد، وصياغة نموذج اقتصادي بنيوي قائم على الإنتاجية والتصدير وليس على الاستهلاك والاستيراد، كما أن اعتماد سياسة حمائية ذكية للصناعات الوطنية قد يكون أكثر نجاعة على المدى الطويل من التخفيضات العشوائية في الرسوم الجمركية، والتي قد تُفضي إلى مزيد من التبعية الاقتصادية، وتُقوّض القدرة التفاوضية للدولة.
وحذّر الشوبكي من أن الرضوخ غير المدروس للضغوط الأمريكية سيحمل في طياته أعباء استراتيجية واقتصادية باهظة، في حين أن البناء على مقاربة تحفظ السيادة الاقتصادية وتحقق التوازن في العلاقات التجارية الدولية هو الخيار الأكثر رشادة واستدامة.