التصعيد الأمريكي ضربة قاسية للصادرات الأردنية وتحدٍّ جديد للاقتصاد الوطني

 

قال الخبير الاقتصادي منير ديه إن الإدارة الأمريكية أصدرت قرارًا يقضي بفرض رسوم جمركية تصاعدية على غالبية وارداتها، حيث تراوحت النسب المفروضة بين 10% كحد أدنى و49% كحد أقصى.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الخطوة تحمل تداعيات جسيمة على الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع أن تفضي إلى موجة من الركود والانكماش، لا سيما في الدول التي تعتمد على السوق الأمريكي محركًا رئيسًا لنموها الاقتصادي، مضيفًا أن الأردن، بطبيعة الحال، لم يكن بمنأى عن هذا القرار، فقد كان من بين الدول الأكثر تضررًا، إذ ارتفعت الرسوم الجمركية المفروضة على صادراته من 0%  إلى 20%، ما ينذر بانعكاسات خطيرة على بنية الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل جوهري على التجارة الخارجية، وبالأخص على التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وبيّن ديه أن هذا القرار سيؤدي إلى انكماش تنافسية المنتجات الأردنية في السوق الأمريكي، نتيجة ارتفاع التكلفة النهائية للسلع، وهو ما سيحدّ من قدرتها على مجاراة المنافسة أمام المنتجات القادمة من دول أخرى تتمتع بامتيازات جمركية تفضيلية، كما أنه سيعمّق أزمة المناطق التنموية، التي أُقيمت خصيصًا للاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ما سيجعل المستثمرين في مواجهة واقع جديد يتطلب إعادة تقييم جدوى أعمالهم في السوق الأردني.

وأشار إلى أن تراجع الصادرات، سزيد من الضغوط على سوق العمل، مما قد يؤدي إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة، التي تعاني أصلًا من مستويات مقلقة، مضيفًا أن هذا القرار سيُربك الميزان التجاري وسيزيد الضغوط على احتياطي العملات الأجنبية، مما قد ينعكس على استقرار سعر الصرف ويؤدي إلى تفاقم كلفة الواردات.

ونوّه ديه إلى أن ما يزيد من تعقيد المشهد هو التباين الواضح في نسب الرسوم المفروضة على الدول المختلفة، حيث فرضت الولايات المتحدة رسومًا بنسبة 20% على الصادرات الأردنية، في حين لم تتجاوز النسبة 10% على صادرات دول عربية أخرى مثل مصر، والمغرب، ودول الخليج، وهذا التمييز الواضح يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول الدوافع الحقيقية وراء هذا القرار، خاصة في ظل التوجهات الأمريكية الأخيرة التي شملت تعليق المساعدات المالية المقدمة للأردن، والتي كانت تبلغ 1.6 مليار دولار سنويًا، إذ لا يمكن إغفال دلالات هذا التوجه الأمريكي، الذي يعكس تحولًا في السياسة تجاه الأردن، ويفرض تحديات جديدة على صانع القرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.

وأكد أنه لم يعد من الممكن الاكتفاء بردود الفعل التقليدية، فقد بات من الضروري تبني مقاربات أكثر شمولية واستباقية، تسهم في التخفيف من حدة التداعيات وتعزز مناعة الاقتصاد الوطني أمام هذه التحولات المفروضة، ذلك أن إعادة هيكلة العلاقات التجارية الدولية تبدو إحدى الخطوات الملحّة، حيث يتعين تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، واستغلال اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة معه إلى أقصى حد ممكن، بما يتيح بدائل حقيقية أمام الصادرات الأردنية، كما أن فتح أسواق جديدة في آسيا وإفريقيا يمثل خيارًا استراتيجيًا للحد من الاعتماد المفرط على السوق الأمريكي، وخلق منافذ بديلة للصناعات الأردنية، ما قد يساعد في تقليل الخسائر المحتملة.

ودعا ديه إلى إطلاق حزم تحفيزية لدعم الصناعات الوطنية، تشمل إعفاءات ضريبية وتسهيلات تمويلية، سيساهم في تخفيف أعباء الإنتاج وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الأردنية على المستوى الدولي، جنبًا إلى جنب مع إعادة التفاوض مع الجانب الأمريكي لا بد أن يكون جزءًا من الاستراتيجية، سواء عبر مراجعة اتفاقية التجارة الحرة أو من خلال تقديم حوافز جديدة للمستثمرين الأمريكيين في الأردن، في محاولة للحد من آثار القرار على بعض القطاعات الحيوية.

واستطرد قائلًا إن القرار الأمريكي يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاقتصاد الأردني على مواجهة الأزمات الخارجية، ويستلزم تحركًا حكوميًا سريعًا وممنهجًا يخرج من دائرة ردود الفعل التقليدية إلى استراتيجيات أكثر ديناميكية، تحافظ على المصالح الوطنية وتقلل من الخسائر الناجمة عن هذه السياسات الحمائية التي فرضتها كبرى الاقتصادات العالمية.