
أرقام الطلاق في الأردن.. الغالبية بالتراضي
في ظل التحديات التي تواجه الأسرة في المجتمعات المعاصرة، يشكل الطلاق إحدى القضايا الاجتماعية التي تتطلب معالجة شاملة تجمع بين الأبعاد الدينية، والاجتماعية، والنفسية. ويؤكد مختصون في الإرشاد الأسري والفتوى أن التدخل المبكر عبر الإرشاد والتوجيه يسهم بشكل فعّال في الحد من حالات الطلاق.
تلعب كل من دائرة الإفتاء العام ودائرة قاضي القضاة دورًا محوريًا في تقديم الإرشادات الشرعية والأسرية، والتي تدعو إلى التريث، وضبط النفس، وتعزيز الحوار كوسيلة أساسية لحل الخلافات الزوجية. كما تحث هذه الجهات المؤسسات الأكاديمية والإعلامية على نشر الوعي بحقوق وواجبات الزوجين، وأهمية اكتساب مهارات التعامل مع الضغوط الحياتية.
وبالتوازي مع ذلك، يبرز دور الإرشاد النفسي والأسري في توفير بيئة داعمة تساعد الزوجين على مواجهة التحديات، مع التأكيد على أهمية التوعية بآثار الطلاق النفسية، خاصة على الأطفال، وتعزيز القيم الدينية والثقافية التي تدعم استقرار الأسرة.
إحصائيات الطلاق في الأردن
أكد الناطق الإعلامي باسم دائرة قاضي القضاة، القاضي الدكتور إسماعيل نوح القضاة، أن الطلاق ظاهرة اجتماعية عالمية تتطلب التعامل معها بحكمة دون تهوين أو تهويل، مشيرًا إلى أن معدلات الطلاق تُحسب وفقًا لعدد الحالات لكل ألف نسمة. ووفقًا لإحصائيات دائرة قاضي القضاة، فقد سجل معدل الطلاق في الأردن 2.6 حالة لكل ألف نسمة عام 2021، لينخفض إلى 2.4 حالة في عام 2022، ثم إلى 2.3 حالة في عام 2023.
وأوضح القضاة أن المحاكم الشرعية هي الجهة المخولة بتوثيق حالات الطلاق أو إصدار أحكام التفريق بين الزوجين، مشيرًا إلى أن دائرة الإفتاء العام تلعب دورًا مهمًا في توضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بالطلاق، حيث يتوجه العديد من المواطنين إلى مكاتب الإفتاء للاستفسار حول مدى وقوع الطلاق بناءً على الألفاظ الصادرة منهم. كما أكد أن الفتوى وحدها لا تعني بالضرورة وقوع الطلاق، حيث يبقى التوثيق من اختصاص القضاء الشرعي.
وأشار القضاة إلى أن نشر الإحصائيات المتعلقة بالزواج والطلاق سنويًا يسهم في فهم التوجهات الاجتماعية، لافتًا إلى أن نسب الطلاق في الأردن شهدت استقرارًا نسبيًا دون ارتفاع ملحوظ خلال شهر رمضان. كما أظهرت البيانات أن 74% من حالات الطلاق تتم بالتراضي بين الطرفين، ما يعكس انخفاض نسبة حالات الطلاق الناتجة عن انفعالات مؤقتة.
دور الإرشاد الديني والإعلامي في التوعية الأسرية
من جانبه، شدد الناطق الإعلامي باسم دائرة الإفتاء العام، الدكتور أحمد الحراسيس، على أن العلاقة الزوجية يجب أن تقوم على السكن والمودة والرحمة، وفقًا لقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم: 21).
وأشار الحراسيس إلى أن وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة يمكن أن تلعب دورًا مزدوجًا، فهي قد تعزز الروابط الأسرية وتنشر القيم الإيجابية، لكنها قد تسهم أيضًا في تفكك العلاقات الزوجية عند إساءة استخدامها، مثل الانشغال المفرط بمواقع التواصل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى شعور أحد الزوجين بالإهمال.
وأكد الحراسيس أهمية التعاون والصبر في الحياة الزوجية، خاصة فيما يتعلق بالجوانب المالية، حيث يجب أن تكون النفقة وفقًا لقدرة الزوج المالية، موضحًا أن الخلافات المادية تعد من الأسباب الشائعة التي قد تؤدي إلى الطلاق. كما شدد على أهمية السرية في العلاقة الزوجية، محذرًا من التدخلات السلبية للأهل، بينما قد يسهم التدخل الإيجابي في حل النزاعات وتقريب وجهات النظر.
تعزيز الوعي الديني والتربوي
بدوره، أكد نائب عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، الدكتور محمد أبو ليل، أن دائرة الإفتاء تلعب دورًا أساسيًا في نشر الوعي الديني عبر الفتاوى والإرشادات والندوات، التي تعكس قيم الإسلام في دعم استقرار الأسرة. كما أشار إلى أهمية دور المؤسسات الأكاديمية في تطوير مناهج تعليمية متوافقة مع العصر، تركز على تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية بين الشباب.
وأوضح أبو ليل أن أحد أبرز أسباب الطلاق هو غياب ثقافة الحوار بين الزوجين، مؤكدًا أن التدخل السلبي للأهل يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الخلافات. كما شدد على ضرورة تقديم برامج تدريبية متخصصة لتأهيل المقبلين على الزواج، تساعدهم على فهم المسؤوليات الزوجية وتطوير مهارات التواصل الفعّال.
وأشار إلى ضرورة تعزيز برامج الإصلاح الأسري التي تهدف إلى تأهيل الزوجين وتقديم حلول استباقية للمشكلات الزوجية، مما يقلل من احتمالية الطلاق في المستقبل.
الإرشاد الأسري كأداة للحد من الطلاق
أكدت الدكتورة شادية هاني خريسات، المتخصصة في الإرشاد النفسي والأسري، أن الإرشاد الأسري يلعب دورًا جوهريًا في الحد من حالات الطلاق من خلال تقديم حلول عملية تسهم في معالجة المشكلات الزوجية بطرق بناءة. وأوضحت أن التدخل المبكر أكثر فاعلية، لكن العديد من الأزواج لا يلجؤون إلى الإرشاد إلا بعد تفاقم الخلافات أو بقرار من المحكمة، مما يقلل من فرص تحقيق نتائج إيجابية.
ودعت خريسات إلى دمج الإرشاد الأسري مع المبادئ الدينية التي تؤكد على التأني وعدم التسرع في اتخاذ قرار الطلاق. كما شددت على أهمية تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية حول إدارة الغضب، والتعامل مع الضغوط الحياتية بطرق سليمة، وتوسيع نطاق هذه البرامج لتشمل المراكز الأسرية ووسائل التواصل الاجتماعي.
الآثار النفسية والاجتماعية للطلاق
من الناحية النفسية، أوضحت خريسات أن الطلاق يعد من أبرز الأحداث الضاغطة التي قد تؤثر على الصحة النفسية للأفراد، خاصة إذا لم يتم التعامل معه بأسلوب صحيح. وأشارت إلى أن الطلاق قد يزيد من احتمالية الإصابة بالقلق والاكتئاب، خصوصًا لدى الأشخاص الذين يفتقرون إلى مهارات التكيف مع الأزمات.
وأوضحت أن التعامل الصحي مع الطلاق يتطلب استراتيجيات نفسية تساعد الأفراد على تقبل الواقع وإعادة بناء هويتهم الذاتية، مؤكدةً أهمية استشارة مختصين للحصول على توجيه علمي ونفسي سليم. كما شددت على ضرورة توفير دعم نفسي واجتماعي للمطلقين، خاصة في المجتمعات التي تفرض وصمة اجتماعية على الطلاق، مما يزيد من الضغوط النفسية على الأفراد.