الصفدي لـ"أخبار الأردن": قطاعات حيوية في الأردن أمام هجمات سيبرانية

 

•    اختراقات تقنية دقيقة تستهدف بنية الدولة الرقمية وقطاعاتها الحيوية
•    150 مليون دينار أردني خسائر المملكة السنوية جرّاء الهجمات
•    استدراج الأفراد أو اختراق المؤسسات عبر هجمات تصيّد احتيالي مُتقنة
•    استهداف أنظمة الدفع الإلكتروني والبنوك الأردنية باستخدام تقنيات قرصنة متقدمة
•    يتم استهداف المستشفيات والمراكز الصحية بهجمات الفدية الرقمية
•    المواقف السياسية للمملكة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية جعلتها عرضة لهجمات إلكترونية ممنهجة
•    تصاعد استخدام الحسابات الوهمية لشن هجمات الهندسة الاجتماعية
•    حماية الفضاء الرقمي مسألة أمن وطني تتطلب تكاملًا بين الجهود التقنية والمؤسسية والتوعوية

قال خبير الأمن السيبرانيّ وصفي الصفدي إن الهجمات الإلكترونية الممنهجة التي تُشن عبر حسابات وهمية باتت تُشكل تهديدًا معقدًا ومتناميًا يفرض تحديات استراتيجية على الأمن السيبراني في الأردن.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكتروينة أن أوجه هذه الهجمات تتعدد، حيث تمتد من عمليات التضليل الإعلامي واسعة النطاق إلى الاختراقات التقنية الدقيقة التي تستهدف بنية الدولة الرقمية وقطاعاتها الحيوية، مضيفًا أن هذه الهجمات تُعزى إلى عدة عوامل متداخلة، تشمل الموقع الجيوسياسي الحساس للمملكة، والمواقف السياسية التي تتبناها تجاه قضايا إقليمية محورية، فضلًا عن التوسع المتسارع في رقمنة الخدمات الحكومية والمالية والصحية، مما أفضى إلى توسيع سطح الهجوم السيبراني، وجعل البلاد أكثر عرضة للتهديدات السيبرانية التي تتخذ أشكالًا متطورة وغير تقليدية.

وبيّن الصفدي أن التقديرات تشير إلى أن الخسائر السنوية التي تتكبدها المملكة جراء هذه الهجمات تصل إلى نحو 150 مليون دينار أردني (ما يعادل 212 مليون دولار)، وهو رقم يعكس مدى خطورة التحديات التي يفرضها الفضاء السيبراني على الأمن الوطني والاقتصاد الرقمي.

وذكر أن هذه الهجمات الإلكترونية التي تُشن من حسابات وهمية لا تقتصر على محاولات التأثير في الرأي العام عبر نشر الأخبار المزيفة أو تضليل الجمهور، وإنما تمتد لتشمل عمليات قرصنة مُحكمة تُنفّذ باستخدام أدوات متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الهندسة الاجتماعية، حيث يتم استدراج الأفراد أو اختراق المؤسسات عبر هجمات تصيّد احتيالي مُتقنة (Phishing)  تستهدف سرقة بيانات حساسة أو التلاعب بالأنظمة الرقمية، ذلك أن التحليلات السيبرانية تشير إلى أن هذه الحسابات الوهمية، التي غالبًا ما تُدار من مراكز عمليات متخصصة، تُستخدم كأدوات لتنفيذ حملات تضليلية واسعة النطاق تهدف إلى إثارة الفتن والانقسامات داخل المجتمع الأردني، بالإضافة إلى شن هجمات مُوجهة ضد البنية التحتية الحيوية، مثل المؤسسات الحكومية والقطاع المصرفي والمنشآت الصحية، بهدف إحداث اضطرابات وظيفية أو التلاعب بأنظمة البيانات وإلحاق أضرار اقتصادية وأمنية مباشرة.

ونوّه الصفدي إلى أن الجهات التي تقف خلف هذه الهجمات تعتمد على ترسانة متكاملة من الأدوات السيبرانية المتقدمة، التي تتضمن برمجيات خبيثة (Malware) قادرة على التسلل إلى الأنظمة الرقمية والتخفي داخلها لفترات طويلة قبل تنفيذ عمليات تخريبية أو تجسسية، فضلًا عن استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مُقنع ومتطور، بما في ذلك صور وفيديوهات مُزيفة تُعرف باسم التزييف العميق  (Deepfake)، والتي تُستخدم للتلاعب بالسرديات الإعلامية واستهداف شخصيات سياسية أو مؤسسات وطنية.

ولفت الانتباه إلى أن هذه الأدوات تشمل استخدام تقنيات "بوتات التضليل" Disinformation Bots  التي تعمل على نشر كميات هائلة من المعلومات المُضللة على منصات التواصل الاجتماعي، ضمن استراتيجيات دقيقة تهدف إلى إعادة تشكيل الخطاب العام والتأثير على الرأي العام بطرق خفية ولكنها فعالة.

واستطرد الصفدي قائلًا إن القطاع المصرفي والمالي يُعد أحد الأهداف الأكثر استهدافًا ضمن هذا المشهد السيبراني المعقد، نظرًا لحساسية البيانات التي يحتفظ بها والقيمة المالية الكبيرة للمعاملات التي تتم عبره، إذ تشير التقارير إلى تزايد الهجمات التي تستهدف أنظمة الدفع الإلكتروني والبنوك الأردنية باستخدام تقنيات قرصنة متقدمة، مثل هجمات التلاعب بالبيانات Data - Manipulation Attacks  التي تهدف إلى تغيير البيانات المصرفية دون ترك أثر واضح، مما يجعل اكتشاف الاختراقات أمرًا بالغ الصعوبة.

وبالمثل، يشهد القطاع الصحي تهديدات متزايدة، لا سيما مع الاعتماد المتزايد على السجلات الطبية الإلكترونية، حيث يتم استهداف المستشفيات والمراكز الصحية بهجمات الفدية الرقمية  (Ransomware) التي تقوم بتشفير البيانات الصحية للمصابين وابتزاز المؤسسات الصحية لدفع فدية مقابل استعادة البيانات، وفقَا لما صرّح به الصفدي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ونبّه إلى إن التصاعد الحاد في وتيرة هذه الهجمات لا يمكن فصله عن العوامل الجيوسياسية والإقليمية التي تؤثر على الأردن، إذ إن المواقف السياسية للمملكة، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، جعلتها عرضة لهجمات إلكترونية ممنهجة ، تسعى إلى تقويض مواقفها من خلال استهداف قطاعاتها الحيوية أو إغراق منصاتها الرقمية بالمعلومات المضللة التي تهدف إلى خلق حالة من التشويش والتشكيك في سياساتها الوطنية، كما أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للأردن، الذي يجعله محورًا للاتصالات الإقليمية ومركزًا لوجستيًا للعديد من الشركات والمؤسسات الدولية، ساهم في جعله هدفًا رئيسيًا للهجمات السيبرانية التي تنطلق من جهات معادية، سواء كانت دولًا أو جماعات ذات دوافع اقتصادية أو سياسية.

وأكد ضرورة تبني استراتيجيات أمنية متكاملة ترتكز على تعزيز الأمن السيبراني عبر استثمارات واسعة في التقنيات المتقدمة، وفي مقدمتها أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على تحليل الأنماط غير الطبيعية واكتشاف التهديدات في الوقت الفعلي، كما ينبغي تطبيق مبدأ الثقة الصفرية Zero Trust  الذي يفرض إجراءات تحقق مستمرة من هوية المستخدمين والأجهزة قبل منحها أي صلاحيات للوصول إلى الأنظمة الحساسة، مضيفًا أن التعاون الدولي ركيزة أساسية في التصدي لهذه التهديدات العابرة للحدود، حيث يمكن للأردن تعزيز شراكاته مع المؤسسات العالمية المتخصصة في الأمن السيبراني، بهدف تبادل المعلومات حول التهديدات الإلكترونية والاستفادة من الخبرات الدولية في تطوير أنظمة دفاعية أكثر تطورًا ومرونة.

وأشار الصفدي إلى أنه لا يمكن تحقيق أمن سيبراني فاعل دون ترسيخ ثقافة الوعي الأمني لدى الأفراد، سواء كانوا موظفين في المؤسسات الحكومية أو مواطنين عاديين، فمن الضروري تكثيف حملات التوعية التي تهدف إلى تدريب المستخدمين على كيفية التعرف على محاولات الاحتيال الإلكتروني، واتخاذ إجراءات احترازية لحماية بياناتهم الشخصية من الاختراق، لا سيما في ظل تصاعد استخدام الحسابات الوهمية لشن هجمات الهندسة الاجتماعية، التي تعتمد على استغلال ثقة الأفراد لاستدراجهم إلى مشاركة معلومات حساسة دون إدراك طبيعة الخطر الذي يواجهونه.

ونوّه إلى أن الأردن يقف أمام تحديات سيبرانية متسارعة تتطلب استجابة فاعلة تتجاوز النهج التقليدي في التعامل مع الأمن السيبراني، ففي ظل التداخل المتزايد بين التهديدات الرقمية والتحولات الجيوسياسية، يصبح من الضروري تبني استراتيجيات دفاعية متقدمة تستند إلى الابتكار التكنولوجي، وتستفيد من الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، مع تعزيز البنية التشريعية لضمان فرض عقوبات رادعة على الجرائم السيبرانية.

واستطرد الصفدي قائلًا إن حماية الفضاء الرقمي مسألة أمن وطني تتطلب تكاملًا بين الجهود التقنية والمؤسسية والتوعوية، لضمان تحصين المملكة ضد الهجمات السيبرانية التي لم تعد مجرد تهديدات افتراضية، في وقتٍ باتت فيه أدوات فعالة في حروب الجيل الخامس التي تستهدف الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول.