العواقلة لـ"أخبار الأردن": أخطاء فادحة ارتكبتها حماس

 

قال العميد المتقاعد من المخابرات العامة، قاسم العواقلة، إن استئناف الحرب على غزة بات خيارًا تسعى إليه إسرائيل بشكل حثيث، في ظل استمرارها بفرض واقع جديد يخدم مشروعها الإقليمي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هناك أخطاءً جسيمة ارتكبتها حركة حماس عقب الهدنة، حيث أخفقت في توسيع دائرة المشاورات وإشراك القوى والفصائل الفلسطينية في مفاوضات ما بعد الحرب، ما أدى إلى استفرادها بالقرار بشكل عزّز من حالة الانقسام الداخلي.

وبين العواقلة أن حماس ظنّت، وفق رؤيتها الخاصة، أنها حققت انتصارًا وفق معاييرها، غير أنها أخفقت في إدراك أن الصراع مع إسرائيل لا يُقاس بالمكاسب الظرفية، وإنما بقدرة الفلسطينيين على بناء استراتيجية موحدة ومستدامة لمواجهة المشروع الإسرائيلي، سواء على المستوى الفكري، أو العسكري، أو السياسي، إذ كان لافتًا أن بعض قادة الحركة انشغلوا بمهاجمة السلطة الفلسطينية ومنع أي طرف آخر من التدخل في شؤون غزة، مما كشف عن قصر نظر في قراءة المشهد بواقعية، وهو ما انعكس سلبًا على قدرة الفلسطينيين على صياغة موقف موحد وقوي.

وذكر أن المقاومة الفاعلة لا تقتصر على البعد العسكري فقط، فهي تستند إلى قوة جمعية فلسطينية ترتكز على دعم عربي راسخ في أبعاده السياسية والاقتصادية، بما يضمن تحصين القضية الفلسطينية ضمن أطر استراتيجية بعيدة المدى، وفي ظل المعطيات الراهنة، فإن الحرب لن تتوقف عند حدود غزة، ذلك أن المشروع الإسرائيلي يتجاوز ذلك ليشمل المنطقة بأسرها، في محاولة لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي وفق رؤى تتماهى مع مصالح إسرائيل وتوجهاتها التوسعية.

وأشار العواقلة إلى أن هناك معضلة جوهرية في توصيف الأحداث التي تعصف بالقضية الفلسطينية، فبين خطاب الانتصار وشواهد الدمار، تنبثق تساؤلات محورية حول التأطير المفاهيمي للنصر، وتداعياته المستقبلية على وعي الأجيال المقبلة، تلك التي ستتحمل على عاتقها مسؤولية النضال المستدام ومواجهة الاحتلال بأدواتٍ أكثر نضجًا وفاعلية.

وحذّر في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية من مغبة إعادة تشكيل معايير الانتصار على نحوٍ قد يخلط بين الصمود كأساسٍ للمقاومة، وبين الانتصار كنتيجةٍ استراتيجية ملموسة، مضيفًا أن هذا الخلط، إن تُرِك دون مساءلةٍ موضوعية، قد يُفضي إلى حالةٍ من التطبيع الذهني مع الهزيمة، حيث يُصبح الثبات في وجه العدوان غايةً بحد ذاتها، لا وسيلةً لتحقيق أهدافٍ سياسية واضحة المعالم.

ونوّه العواقلة إلى أنه لا يمكن تجاهل حجم التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب الفلسطيني، إذ إنها لا تقتصر على الشهداء والجرحى فحسب، وإنما تمتد إلى البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتعرض لاستنزافٍ ممنهج، مشيرًا إلى أن تقدير هذه التضحيات لا ينبغي أن يُوظَّف في سياقاتٍ خطابية تُعيد إنتاج مفاهيم النصر بما يتلاءم مع واقعٍ مفروضٍ بالقوة، بدلًا من العمل على تغيير هذا الواقع نفسه.

واستطرد قائلًا إن المواقف السياسية المتقدمة للأردن، والدعم الإنساني المستمر عبر قوافل المساعدات والمستشفيات الميدانية، يعكس التزامًا ثابتًا بقضية فلسطين، التزامًا لا يُنتظر منه الشكر بقدر ما يُترجم إلى أفعالٍ على الأرض، إلا أن ما يُثير الريبة هو بعض الخطابات التي تتناسى هذه الوقائع، فتتخذ مواقف تُوحي بجحودٍ غير مبررٍ تجاه أدوارٍ قوميةٍ لا تزال تُؤدى بصدقٍ وإيمانٍ مطلق بعدالة القضية الفلسطينية.

وذكر العواقلة أن استدعاء ذاكرة الصراع منذ مطلع الألفية الثالثة، يُظهِر نمطًا متكررًا من المواجهات التي تسفر عن آلاف الضحايا وتدميرٍ واسعٍ للبنى التحتية، ليعقبها خطاب انتصارٍ يُبنى على عنصر الصمود وحده، بينما يظل الاحتلال متحصنًا بقوته العسكرية والدبلوماسية، متسائلًا ما إذا يمكن القبول بمعادلةٍ تُساوي بين الصمود والانتصار، وإذا كان الصمود وحده معيارًا للنصر، فهل كانت هناك حاجةٌ للحروب التي اندلعت منذ نكبة 1948؟.

ولفت الانتباه إلى أن ترسيخ هذه المفاهيم قد يُعيد تشكيل وعي الأجيال القادمة على نحوٍ يُضعف من قدرتها على رسم استراتيجياتٍ أكثر نجاعة في المواجهة، إذ إن قبول الحد الأدنى من الإنجازات، والاحتفاء بالبقاء كغايةٍ نهائية، قد يؤدي إلى شرعنة الهزيمة على المدى الطويل، ويُفسح المجال لتبني شعاراتٍ وتوجهاتٍ لا تعكس طبيعة الصراع ولا متطلباته الواقعية.

وأشار العواقلة إلى أن ما يزيد المشهد تعقيدًا، هو السياق السياسي الإقليمي والدولي الذي يُعيد إنتاج الحسابات الاستراتيجية في المنطقة، حيث أن إنهاء الحرب لم يكن حصيلة انتصارٍ ميدانيٍ خالص، بقدر ما جاء انعكاسًا لحساباتٍ أمريكية ومصالح دولية دفعت نحو وقف العمليات العسكرية، وهو ما أكد عودة الحرب مجددًا إلى غزة، متسائلًا ما إذا كان سيُعاد تعريف خطاب الانتصار بما يتلاءم مع الحقائق الموضوعية للصراع؟.

وقال إن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في إعادة قراءة مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بمقاربةٍ جديدة، تُعيد تعريف الانتصار بمفهومه الاستراتيجي، لا الخطابي، وترتكز على تغيير موازين القوى لا مجرد إثبات الوجود. والأيام القادمة وحدها كفيلةٌ بكشف اتجاهات هذا المسار وما يحمله من تحولاتٍ جوهرية.