العثامنة يكتب: خلايا التطرف والعنف التي تتمدد بيننا

  مالك العثامنة

هل طوينا قصة الطفل الذي حاول أحداث حرقه في مدرسة بالزرقاء؟

هل انتهت القصة بتحويلات إلى القضاء لتحقيق العدالة القانونية؟

الزرقاء كانت مسرحا لأحداث سابقة كان أبرزها قصة الفتى صالح قبل أعوام قليلة، وقد تم قطع يديه وتعذيبه على يد عصابات إجرامية نسميهم "زعران" وهم أكثر من ذلك، وفعلهم الإجرامي – كما هو سلوك الحدثين القصة الأخيرة- لا يختلف عن الإرهاب الذي يمارسه "زعران" التطرف الداعشي، من تقطيع أطراف وتعذيب بدني وعمليات حرق!!

بؤر "الزعرنة" تلك ألا يمكن اعتبارها خلايا إرهابية قابلة للتحول الفوري إلى عصابات منظمة سواء في قطاع المخدرات "المنتشر" أو ربما في قطاع الإرهاب؟
إذن، نحن أمام سؤال حول المعالجات الجذرية لما يحدث. وهذا يتجاوز الفزعة في العالم الافتراضي أو تصريحات مسؤولين وتحويلات إلى القضاء، فتلك بديهيات ضرورية تعالج الحادثة لكنها لا تحل الأزمة التي يبدو أنها تنمو وتكبر.
أولا، نحن أمام مدينة تم وسمها لعقود طويلة بالشغب الاجتماعي الذي نسميه " زعرنة" وهذا الوسم لم نعالجه فبقي يكبر في الزرقاء ويتحول إلى ظاهرة حقيقية، وأنا أصلا من تلك المدينة وأعرفها جيدا، وفيها كل ما لا يمكن تخيله من تناقضات الفقر والغنى، التدين والكفر، الفضيلة والرذيلة.

هناك جيوب تطرف في المدينة يعرفها المسؤولون جيدا، بل أن أحد المسؤولين الأمنيين قبل سنوات وصف أحد الأحياء باسم "قندهار". وهذا الحي تحديدا قريب وملاصق للحي الذي نشأت فيه، وقد حدث مرة أن تم "رجم" سيارة عابرة تقودها مواطنة أردنية ومعها أولادها ووصفها بأقذع الصفات فقط لأنها لم تكن معلبة بالزي الذي يفرضه الحي القندهاري، وطبعا لم يحدث تحقيق بالحادث ولم يتقدم أحد بالشكوى خوفا من توسع الموضوع.. لكن الموضوع يتوسع فعلا.

هذه مدينة قابلة للانفجار الوشيك، وكل ما تحتاجه قليل من بارود الأفكار المتطرفة ليملأ فراغها.

وهذا الفراغ، هو "ثانيا" الذي أريد الإشارة إليه، وعلى مستوى البلاد كلها، ويتعلق بالفراغ الثقافي والتعليمي الذي كانت نتيجته غياب الوعي الحقيقي للمواطنة والدولة والمؤسسات والقانون، مما ينتج في المحصلة جزر من الأحياء والتجمعات تشبه "حارة كل من ايدو إلو" بمعنى العبث وغياب سيادة القانون.

مما يعني ضرورة استعادة الدولة لذاتها بالحضور الفاعل، لا بمقاربات أمنية بل بتسريع "مع فاعلية" لمشروع التربية والتعليم وإعادة تأهيل قطاع التعليم المدرسي والجامعي ووضع حد حاسم لتغول تيارات التطرف الديني والشعبي التي تجد في الفراغ تربة خصبة للتوسع والتمدد.

مثلما كنا بحاجة إلى حوارات وطنية في الإصلاح السياسي والاقتصادي فنحن بحاجة ماسة إلى حوارات وطنية حول ضرورة رفع سوية التعليم وحوارات حول الانهيار في الوعي المجتمعي بدلا من الاختباء الدائم والواهم خلف أكذوبة (هذا لا يمثل مجتمعنا وقيمه).