سوريا مختبر لإحكام السيطرة... وإيران تعيش نهاية الاتحاد السوفيتي
قال الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمر الرداد إن المشهد السوري لم يعد محكومًا بثنائية المواجهة بين النظام والمعارضة، فقد بات ساحة لصراعات أكثر تعقيدًا، تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، حيث تتداخل الأجندات بشكل غير مسبوق، خاصة بين إسرائيل وإيران، الطرفين اللذين يُفترض أنهما على طرفي نقيض من حيث الخطاب السياسي، لكنهما يبدوان، على الأرض، وكأنهما يتبادلان الأدوار في لعبة إعادة التشكيل الجيوسياسي لسوريا.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن التحركات الإيرانية في مناطق الساحل السوري تتزامن مع تحركات درزية مدعومة إسرائيليًا في الجنوب، الأمر الذي يفتح التساؤلات حول حول طبيعة العلاقة بين الطرفين، وما إذا كان هناك تقاطع مصالح أم أن هناك تفاهمات غير معلنة.
وبيّن الرداد أن الوقائع التاريخية أثبتت وجود محطات تقاطعت فيها مصالح إسرائيل وإيران رغم التصعيد الإعلامي المستمر بينهما، فقد عقدت إيران، خلال الحرب العراقية - الإيرانية، صفقات تسليحية مع إسرائيل في إطار فضيحة "إيران-كونترا"، كما وفّرت طهران تسهيلات لواشنطن خلال غزوها لكلٍّ من أفغانستان والعراق، إذ التقت الأجندات الأمريكية والإيرانية في إسقاط نظاميّ طالبان وصدام حسين، ما يعكس قدرة إيران على تبني سياسات "البراغماتية الصلبة" حين تخدم مصالحها.
وأشار إلى أن الأهداف الإسرائيلية والإيرانية تتلاقى بشكل غير مباشر في السياق السوري، فإسرائيل تسعى إلى تفكيك سوريا إلى دويلات طائفية لضمان تفوّقها الأمني والاستراتيجي، فيما تستثمر إيران في الفوضى لتعزيز نفوذها الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته، تسعى لإفشال النظام الجديد في دمشق بدعوى أنه "نظام تكفيري"، مما يعكس رغبتها في استمرار سيطرتها على القرار السوري.
ونوّه الرداد إلى أن المحاولة الانقلابية الأخيرة في سوريا، التي يُرجَّح أنها خُطِّطَ لها في طهران، تكشف حجم التصدع الداخلي الذي يواجه النظام الجديد، إذ تؤكد المعلومات أن بعض التشكيلات العسكرية التابعة للنظام السابق لا تزال تحتفظ بقدرات تسليحية، خاصة في الساحل السوري والمناطق الحدودية مع لبنان حيث يتمركز حزب الله، متابعًا أن تركيا كانت على دراية بالمخطط الإيراني منذ أكثر من أسبوعين، وهو ما دفعها إلى اتخاذ خطوات استباقية والتصعيد العلني مع طهران، ما يعكس حالة استقطاب إقليمي متزايدة بين أنقرة وطهران في سوريا، قد تمتد إلى ساحات أخرى.
ولفت الانتباه إلى أنه من غير المرجح أن يقتصر الرد التركي على مجرد إحباط المحاولة الانقلابية، إذ تملك أنقرة خيارات متعددة لمواجهة النفوذ الإيراني، بدءًا من توظيف عضويتها في الناتو، ومرورًا بورقة أذربيجان، وصولًا إلى تحريك ملف الأحواز، فضلًا عن دعم القوى السنية في المنطقة، خصوصًا في باكستان وأفغانستان، حيث تتعرض المصالح الإيرانية لضغوط متزايدة.
إيران، التي تُصوِّر نفسها كقوة إقليمية صلبة، تبدو اليوم في موقف لا يُحسد عليه، إذ تواجه أزمات داخلية متفاقمة، وتصاعدًا في الصراع بين التيار المتشدد بقيادة خامنئي والتيار الإصلاحي بقيادة بزكشيان، ما يجعلها أقرب إلى نموذج الاتحاد السوفييتي في أواخر الثمانينيات، حينما كانت الأزمات الداخلية تنخر في بنية الدولة، بينما كانت تواصل سياساتها التوسعية على الساحة الدولية، وفقًا لما صرّح به الرداد لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.