غليون: إسرائيل تريد السيطرة على كل منابع المياه في سوريا
قال المفكر السوري والخبير السياسي، برهان غليون، إن "إسرائيل هي مفجر عام لكل المنطقة، وأطماعها لا حدود لها. الاحتلالات الجديدة في سوريا تهدف إلى السيطرة على منابع المياه، التي ستصبح ثروة حقيقية في المستقبل."
وأضاف غليون: “في رأيي، لا يمكن لسوريا أو لبنان أو الأردن أو حتى العراق أن يتقدموا بثقة نحو المستقبل ويحققوا الاستقرار المجتمعي، حتى لو لمدة عشرين سنة، إذا لم يكن هناك تعاون عربي جاد لحل المشكلة مع إسرائيل. إسرائيل تسعى لتوسيع أطماعها في المنطقة، وهي تركز على السيطرة على منابع الأنهار والمياه، والتي ستكون ثروة حيوية في المستقبل.”
ورأى أن المشهد السياسي في سوريا لم يشهد انتقالًا واضحًا للسلطة من الطائفة العلوية إلى الطائفة السنية، بل أشار إلى أن السلطة اليوم موزعة بين مجموعة من الفصائل المسلحة التي تمثل توجهات سياسية مختلفة، بعضها يحمل طابعًا إيديولوجيًا إسلاميًا وبعضها الآخر يطالب بدولة مدنية.
وأوضح غليون في حوار مع "المجلة"، خلفية النظام السوري الذي حكم البلاد على مدى عقود طويلة، مؤكدًا أن سوريا مرت بفترات طويلة من الحكم العسكري والأمني، باستثناء فترات قصيرة جدًا من الحكم المدني في بعض الفترات التاريخية، منذ عام 1920 وحتى يومنا هذا.
وأشار غليون إلى أن نظام الأسد، الذي تأسس تحت قيادة حافظ الأسد، كان يعتمد بشكل أساسي على الأجهزة الأمنية لضبط البلاد وإحكام سيطرته على كل تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية.
وأوضح أن حافظ الأسد كان رجلًا عسكريًا ذا خلفية أمنية، وكان يعتمد على الأجهزة الأمنية كأداة رئيسية لبسط نفوذه على البلاد.
وأضاف أن بشار الأسد، على الرغم من أنه جاء بعد والده حافظ، إلا أنه لم يكن ضابطًا عسكريًا بالمعنى التقليدي، بل كان رجلًا مخابراتيًا يعتمد على النظام الأمني الذي بناه والده لتعزيز سلطته وحكمه.
وفي هذا السياق، أشار غليون إلى أن الحكم في سوريا لم يكن يومًا ما ذا طابع مدني حقيقي، بل كان أشبه بحكم استبدادي يحكمه تحالف بين العائلة الحاكمة والأجهزة الأمنية.
الواقع السياسي الحالي والتحولات داخل المشهد السوري
غليون أكد أن السلطة اليوم في سوريا ليست مركزية كما كانت في ظل نظام الأسد، بل باتت موزعة بين مجموعات مسلحة عدة، وهذه المجموعات تتنوع في توجهاتها وتختلف في أهدافها السياسية، بعضها يسعى لإقامة نظام إسلامي، بينما يطمح البعض الآخر إلى بناء دولة مدنية، وهو ما يجعل من المشهد السياسي السوري في الوقت الحالي أكثر تعقيدًا من مجرد تحول السلطة بين الطوائف.
وأشار غليون إلى أن ما يحدث في سوريا اليوم هو ما أسماه "ما قبل المرحلة الانتقالية"، حيث يسود حالة من عدم اليقين السياسي في مختلف أنحاء البلاد. هذه الحالة يشبه ما يحدث عادة بعد الانقلابات الكبرى حيث يكون الوضع غير مستقر، وتكون السلطة غير واضحة المعالم.
وأوضح أنه على الرغم من أن الوضع في سوريا يقترب من النهاية السياسية للنظام القديم، إلا أن البلاد ما تزال غير قادرة على تحديد شكل السلطة المستقبلية، حيث تظهر القوى المختلفة مصالح وأهداف متباينة.
فكرة السلطة والطائفية في المشهد السوري
أحد النقاط المهمة التي أثارها غليون في حواره هو نفيه للحديث السائد عن انتقال السلطة من الطائفة العلوية إلى الطائفة السنية. وفقًا لغليون، فإن المشهد السياسي في سوريا اليوم لا يتبع ببساطة المعايير الطائفية التقليدية، والسلطة في سوريا اليوم تتكون من مزيج من الفصائل والجماعات المسلحة التي تضم توجهات مختلفة، وبالتالي فإن الحديث عن "انتقال السلطة" بهذه الطريقة لا يعكس تعقيد الواقع السياسي.
وبينما حاولت بعض القوى السياسية تصوير الوضع في سوريا على أنه صراع بين الطوائف، أكد غليون أن السلطة في سوريا اليوم تُدار من قبل مجموعات مسلحة تتعدد أيديولوجياتها وأهدافها، ولا يمكن اختزال المشهد بمجرد انتقال من طائفة إلى أخرى.
وأشار إلى أن القوى التي تسيطر حاليًا على المشهد ليست موحدة في توجهاتها، بل تتوزع بين فصائل تسعى إلى أهداف مختلفة، مما يجعل من الصعب التحدث عن انتقال السلطة وفقًا للمنطق الطائفي.
التحديات التي تواجه إعادة بناء سوريا
أعرب غليون عن قلقه من التحديات العديدة التي تواجه سوريا في طريق إعادة بناء الدولة بعد سنوات من الحرب والدمار، مؤكدا أن التحدي الأكبر في هذه المرحلة يتمثل في إيجاد توافق بين جميع الأطراف السورية لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق المواطنين وتعزز قيم المواطنة.
وأكد قناعته بأن أي حل مستدام في سوريا يتطلب تجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية، ويجب أن يتم تأسيس مؤسسات قوية تعتمد على مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية.
وأشار غليون إلى أنه حتى وإن تمكنت الحكومة الانتقالية السورية من القضاء على التمرد في بعض المناطق، فإن ذلك لا يعني أن الملف السوري قد انتهى، بل إن الأمر قد يتطلب سنوات من المصالحة وإعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف السورية.
وفيما يتعلق بالعلاقات الإقليمية والدولية، أكد غليون أن سوريا بحاجة إلى سياسة خارجية متوازنة تحمي سيادتها وتحافظ على مصالحها الوطنية. وأشار إلى أن سوريا قد تجد نفسها في حاجة إلى التعاون مع الدول الصديقة لإعادة إعمار البلاد، لكن هذا التعاون يجب أن يكون قائمًا على أسس من الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية.
كما شدد على أهمية توخي الحذر من الوقوع في فخ الصراعات الإقليمية أو الدخول في تحالفات قد تؤدي إلى مزيد من التوترات.
ورأى غليون أن سوريا بحاجة إلى تجنب المحاور التي قد تزيد من تعقيد الوضع الأمني والسياسي في البلاد، داعيًا إلى سياسة متوازنة تحقق مصالح الشعب السوري وتضمن استقرار البلاد في المدى البعيد.
واختتم غليون حديثه بالتأكيد على أن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة شعبها على تجاوز الخلافات الطائفية والسياسية والعمل معًا من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتوفر العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين.
وأكد أنه من الضروري أن يتحمل الجميع، من قوى وطنية وفصائل سياسية، مسؤولياتهم في هذه المرحلة الحرجة وأن يتعاونوا من أجل بناء سوريا المستقبل بعيدًا عن الصراعات التي قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والانهيار.