مفاجآت قادمة للمنطقة
قال الصحفي المتخصص في الشؤون الأمريكية عبد الرحمن يوسف إن التدوينة الأخيرة التي نشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصته "تروث سوشيال"، والتي تضمّنت تهديدًا صريحًا للحركة الخضراء وسكان قطاع غزة، تأتي في إطار مشهد سياسي واستراتيجي بالغ التعقيد، يتداخل فيه البعد التفاوضي مع الاعتبارات الجيوسياسية الأوسع.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه التدوينة، التي أثارت جدلًا واسعًا، تُعد جزءًا من مقاربة متشابكة يسعى ترامب من خلالها إلى إعادة صياغة علاقاته مع إسرائيل، وتحديدًا مع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في ضوء التطورات الأخيرة التي كشفت عنها تسريبات موقع "أكسيوس" حول المفاوضات المباشرة التي يجريها مبعوث الرهان الأمريكي آدم بوهلر مع قيادات الحركة الخضراء في الدوحة.
وبيّن الصحفي المقيم في واشنطن أن الدلالة الأبرز لهذه التدوينة تكمن في توقيتها وآلياتها، حيث تعكس محاولة دقيقة من جانب ترامب للموازنة بين المناورة السياسية والاستراتيجية التفاوضية، فرغم استعداده الظاهري لتلبية مطالب نتنياهو، إلا أن صياغة هذه التنازلات تظل محكومة باعتبارات التوقيت والكيفية، الأمر الذي يُفسر حالة الانزعاج الإسرائيلي الناتجة عن عدم إطلاع تل أبيب مسبقًا على تفاصيل هذا اللقاء، مما دفع ترامب إلى تهدئة مخاوف نتنياهو عبر خطاب تصعيدي موجّه.
ونوّه يوسف إلى أن تعامل ترامب مع نتنياهو خلال فترته الرئاسية يُشير إلى براغماتية سياسية مدروسة، حيث استطاع توظيف العلاقة لتحقيق مكاسب متبادلة، ومن الأمثلة البارزة على ذلك، الترتيبات التي سبقت تنصيبه، حين مارس رجل الأعمال ويتكوف ضغوطًا على نتنياهو لوقف إطلاق النار، مدعومًا بتهديدات ضمنية بإعادة نشر مقاطع فيديو محرجة، في علاقة تبادلية تعكس نمطًا من المصالح المتشابكة التي تتجاوز الاعتبارات الدبلوماسية التقليدية.
وأشار إلى أن التدوينة تأتي أيضًا في إطار مساعٍ أمريكية لتحريك المياه الراكدة فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من المفاوضات، وسط توجه لتوسيع نطاق الإفراج عن الأسرى دون الدخول في تعقيدات ترتبط بانسحاب محتمل من محور صلاح الدين أو الترتيبات الإدارية داخل غزة. ومن خلال هذه اللهجة التصعيدية، يسعى ترامب إلى تعزيز موقف مبعوثه التفاوضي، مُرسلًا إشارات ضمنية للوسطاء المصريين والقطريين بضرورة ممارسة ضغوط إضافية على حماس لإدخال ملفات جديدة في إطار التفاوض.
وأوضح يوسف أنه لا يمكن إغفال الأبعاد التكتيكية لتصريحات ويتكوف التي تؤكد ضرورة وقف إطلاق النار حتى وصوله إلى المنطقة، ما يُبرز رغبة ترامب في الحفاظ على مسار التفاوض مفتوحًا، مع استمرار ممارسة الضغط على حماس دون منح إسرائيل حرية مطلقة في التصعيد العسكري، متابعًا أن هذه المقاربة تسعى إلى استنساخ نمط من التوازن الاستراتيجي يُتيح لواشنطن الاحتفاظ بأوراق ضغط فعّالة دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تُفضي إلى مواجهة شاملة.
وذكر أن هذه التدوينة تعكس محاولة واضحة لتحميل سكان غزة مسؤولية الوضع الراهن، في إطار استراتيجية تستهدف تفتيت الحاضنة الشعبية لحركات المقاومة وإضعاف تماسكها الداخلي، وهو توجه، يُمهّد لمرحلة أكثر خطورة تتعلق بطرح مشاريع التهجير الطوعي أو القسري، بما ينسجم مع الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية حيال مستقبل قطاع غزة، وهو ما يبرز تجاهل ترامب للخطة المصرية - العربية، التي يرفضها بصورة قاطعة، إذ إن مسعاه الحثيث لنزع الشرعية عن قيادات الحركة الخضراء، عبر وضعهم في مواجهة مباشرة مع قواعدهم الشعبية، وتعبيد الطريق أمام إسرائيل لتنفيذ استراتيجياتها متوسطة وبعيدة المدى عقب استعادة الأسرى.
واستطرد يوسف قائلًا إن هذه التدوينة ورغم ما تبدو عليه من حدة وتصعيد، إلا أنها تُعد جزءًا من استراتيجية تفاوضية مدروسة تهدف إلى تعزيز الموقف الأمريكي - الإسرائيلي على طاولة المفاوضات، ومع ذلك، فإن تطورات المشهد التفاوضي، خاصة فيما يتعلق بالحوار المباشر بين الحركة الخضراء وآدم بوهلر، قد تُفضي إلى مفاجآت تُعيد رسم التوازنات السياسية والأمنية في المنطقة بشكل غير متوقع.