جوائز ترضية تهدف إلى ترويض شهية إيران النووية

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد الزغول إنه من المتوقّع أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة تصعيدًا سياسيًا وعسكريًا متشابك الأبعاد، تُرافقه رسائل إيجابية متباينة من مختلف الأطراف الفاعلة، في إطار ما يُمكن وصفه باستراتيجية "النيران التمهيدية" المتزامنة مع مسارات دبلوماسية مُعقدة ومتشابكة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه قد تُبادر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تدشين عهدها بحزمة عقوبات صارمة، مُعلنةً بذلك انطلاق مرحلة جديدة من سياسة "الضغوط القصوى"، تتخللها إشارات قوية لاحتمالية شنّ ضربات عسكرية نوعية ومحدودة، بهدف تعميق تأثير الضغوط على صُنّاع القرار في طهران، وبالتوازي مع هذا التوجه، يُرجّح أن يُفعّل الثلاثي الأوروبي آلية "الزناد"، مُمهدًا الطريق نحو إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، فيما تواصل إسرائيل تصعيد خطابها التهديدي بضرب المنشآت النووية الإيرانية، في محاولة لفرض معادلة ردع صارمة.

وبيّن الزغول أنه ورغم تصاعد هذه الإجراءات التصعيدية، فإنها تُعدّ، في جوهرها، جزءًا من استراتيجية ردع محسوبة بعناية، تهدف إلى تحفيز طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث ستبرز مبادرات إيجابية تهدف إلى تهيئة الأجواء لانطلاق جولات تفاوضية عسيرة، تواجه تحديات زمنية ضاغطة، إذ يُفترض أن تنتهي تلك المساعي الدبلوماسية قبل منتصف العام الجديد، الذي يُمكن اعتباره بمثابة "نقطة النهاية الأولية" للخيارات التفاوضية المتاحة، ضمن سياق زمني يتّسم بالحساسية والتعقيد.

ولفت الانتباه إلى أن الأوامر التنفيذية للرئيس ترامب، حتى اللحظة، لم تتضمّن خطوات مباشرة تُعالج المسألة الإيرانية، مضيفًا أن بعض تلك الأوامر جاء - بصورة مُفاجئة - ليخدم المصالح الإيرانية على نحو غير متوقّع، كما هو الحال في قرار وقف المساعدات الأمريكية المُخصصة لقوى المعارضة الإيرانية، ضمن إطار أوسع شمل تعليق كافة المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة 90 يومًا.

وفي خطوة لافتة أخرى، امتنعت واشنطن عن إدانة سجل إيران في مجال حقوق الإنسان خلال الدورة الثامنة والأربعين للاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، وهذه المواقف غير الاعتيادية تُجسّد براغماتية إدارة ترامب، التي يبدو أنها تُعطي الأولوية لإعادة ترتيب أوراق التفاوض مع طهران، متجاوزةً في ذلك اعتبارات حقوق الإنسان، وفقًا لما صرّح به الزغول لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

واستطرد قائلًا إنه رغم الطابع الإيجابي الظاهري لهذه الإشارات، فإنّ قراءتها تستدعي قدرًا كبيرًا من الحذر والتبصّر، إذ إن الإخفاق في التوصل إلى توافق قبل بدء النصف الثاني من العام الجاري، سيضع إيران أمام سيناريوهات شديدة الخطورة، تتراوح بين احتمالية توجيه ضربة عسكرية نوعية تستهدف منشآتها النووية، وبين تسريع طهران خطوات إنتاج القنبلة النووية، ما يُنذر بتداعيات كارثية على الاستقرار الإقليمي والدولي، وفي ظل هذا المشهد المعقد والمتشابك، يُعدّ الخيار الأقل كلفة والأكثر واقعية بالنسبة لمختلف الأطراف، هو التوصّل إلى اتفاق مبدئي بنهاية النصف الأول من العام الجاري، يُجمّد الخلافات، ويُمدّد مفاعيل اتفاق عام 2015، في انتظار بلورة اتفاق جديد أكثر شمولية يُعالج كافة القضايا العالقة، ويُرسي أسساً أكثر استدامة للاستقرار الإقليمي والدولي.

خط أحمر قد تتجاوزه إيران فيقلب الطاولة على الجميع

وأوضح الزغول إنه في خضم التصعيد المستمر بين طهران والغرب، أفرزت المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية الأخيرة تحولًا جذريًا في إدراك العواصم الغربية لطبيعة التهديد الإيراني، وهو إدراك لم يلبث أن انعكس على استراتيجيات التعامل مع هذا الملف الشائك.

وبيّن أن هذا التغيير تجلّى في انكشاف واضح للحدود الفعلية للنفوذ الإقليمي الإيراني، ما ولّد قناعة متزايدة بأن طهران باتت أكثر ميلًا لتجاوز السقف النووي المسموح به دوليًا، في محاولة لإعادة تموضعها الاستراتيجي وإعادة ترميم نفوذها الآخذ في التآكل.

وأشار الزغول إلى أن هنالك خطين أحمرين لا يُمكن لطهران تجاوزهما دون المخاطرة بإغلاق نافذة الحلول الدبلوماسية، أولهما محاولة تجاوز العتبة النووية، وهو تطور سيُعتبر إعلانًا غير مباشر عن نية طهران الانخراط في سباق تسلح نووي؛ وثانيهما استهداف المصالح الاستراتيجية الأمريكية والغربية في المنطقة، الأمر الذي قد يُفجّر مواجهة شاملة لا تُحمد عقباها.

وذكر أنه مع دخول النصف الثاني من العام الجاري دون التوصل إلى اتفاق، تُصبح احتمالات توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية أكثر جدية، بما يضع العالم على حافة سيناريو كارثي يتمثل في إقدام طهران على إنتاج القنبلة النووية كخيار انتقامي أخير، مضيفًا أن مثل هذا السيناريو لن يُشكّل سيعيد رسم موازين القوى على المستوى الدولي، مُطلقًا سباق تسلح في منطقة تعجّ أصلاً بالصراعات.

ونوّه الزغول إلى أن التوصل إلى توافق مبدئي قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري يعد بمثابة المخرج الأقل كلفة لجميع الأطراف، فتجميد الخلافات والعودة إلى تفعيل مفاعيل اتفاق عام 2015 يُمكن أن يُهيّئ الأرضية للتفاوض على اتفاق جديد أكثر شمولية، يمتد ليشمل القضايا الإقليمية والدور الإيراني في المنطقة.

ولفت الانتباه إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في مدى استعداد الأطراف المعنية لتقديم التنازلات الكفيلة بفتح نافذة للحل الدبلوماسي، بعيدًا عن شبح المواجهة المحتومة.