كريشان يكتب: جيش العرب وصمود الوطن
النائب حسين كريشان
في ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي الـ69، نعود بالذاكرة إلى تلك اللحظة التاريخية التي سطرها الأردن في الأول من آذار عام 1956، اللحظة التي أسست لمستقبل جديد، وفي هذا اليوم، وبقيادة جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، تم اتخاذ القرار التاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، ليظل هذا الجيش مصدرا للفخر والمجد، ليس فقط للأردن، بل للأمة العربية جمعاء، وهذا الحدث لم يكن مجرد تغيير في القيادة العسكرية، بل كان خطوة سيادية تعكس إرادة ملكية ثابتة في تعزيز الاستقلال والكرامة الوطنية، وأدى إلى إنشاء جيش أردني قادر على مواجهة كافة التحديات الداخلية والخارجية بكل شجاعة وإقدام، حيث كان القرار بتعريب الجيش العربي ، والذي اتخذ في وقت كانت المنطقة تعيش فيه أجواء من الاضطراب والتحديات، بمثابة بداية عهد جديد للأردن، ففي تلك الفترة، كانت المملكة تتطلع إلى توطيد سيادتها وفرض استقلالها العسكري الكامل، وكان الجيش العربي الأردني تحت قيادة ضباط بريطانيين، ورغم جهود الدولة الأردنية في بناء مؤسساتها الوطنية بعد الاستقلال عام 1946، فإن الجيش كان يشكل نقطة حساسة في صراع الدولة مع أي تدخلات خارجية، جلالة الملك الحسين، الذي كان شابًا طموحًا حينها، أدرك أن الاستقلال الحقيقي لا يتحقق إلا بتعزيز القدرة العسكرية الوطنية، وأن القيادة العسكرية الأردنية يجب أن تكون بيد الأردنيين، وكان القرار بتعيين ضباط أردنيين في المناصب القيادية في الجيش خطوة حاسمة نحو تعزيز الهوية الوطنية وتأكيد قدرة الأردن على الاعتماد على جيشة في مواجهة أي خطر.
ومنذ تعريب قيادة الجيش، أصبح الجيش العربي الأردني أكثر قوة وصلابة، وتوالت ملاحمه البطولية في مختلف المحطات التاريخية، فقد دافع الجيش الأردني عن فلسطين في أكثر من مناسبة، وكان في مقدمة الجيوش العربية التي تصدت للاحتلال الإسرائيلي في معركة الكرامة عام 1968، وهي واحدة من أروع صفحات الفخر في تاريخ الجيش العربي، وفي تلك المعركة، خاض الجنود الأردنيون معركة شديدة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأثبتوا شجاعتهم وبسالتهم، ليحققوا انتصارًا عسكريًا يُعد من أبرز الإنجازات في تاريخ القوات المسلحة العربية، وكان لهذا الانتصار تأثير كبير على معنويات الأمة العربية كلها، وأصبح رمزًا لصمود الجندي العربي أمام العدوان، ولم يكن الجيش الأردني جيشًا عاديًا، بل كان دائمًا على استعداد لحماية الوطن والدفاع عن قضايا الأمة، ففي معركة الكرامة، قدم الجنود الأردنيون نموذجًا حيًا للتضحية والصمود، ما جعل هذه المعركة تخلد في ذاكرة كل عربي، ومنذ ذلك الحين، أصبح الجيش العربي الأردني يُنظر إليه كحامي العروبة، ودرعًا لحماية الأمن القومي العربي، مستعدًا دائمًا للوقوف في وجه أي تحدٍ يهدد المنطقة.
ومع مرور الزمن، استمرت مسيرة الجيش العربي الأردني في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي تلقى تعليمه وتدريبه العسكري في أرقى الأكاديميات العالمية، أخذ على عاتقه مواصلة تعزيز قدرات الجيش الأردني، ورفع جاهزيته لمواكبة التحديات العسكرية الحديثة، ولقد شهد الجيش الأردني في عهده تطورًا ملحوظًا في مجالات التدريب والتسليح، حيث يتم تزويد الجيش بأحدث التقنيات العسكرية لمواجهة أي تهديدات قد تواجه الأردن أو الأمة العربية، وبفضل رؤيته الثاقبة، تمكن جلالة الملك عبدالله الثاني من إرساء سياسات دفاعية تعزز من استقرار الأردن، بما في ذلك تحصين الحدود وتعزيز التعاون العسكري مع الدول الشقيقة والصديقة. كما أن جلالته كان دائمًا يولي أهمية كبيرة لتطوير قدرة الجيش على التعامل مع المخاطر الأمنية الحديثة، مثل الإرهاب والهجمات الإلكترونية، في كل خطوة من خطواته، كان الملك عبدالله الثاني يؤكد على ضرورة أن يكون الجيش الأردني في طليعة الدفاع عن الأمن الوطني والعربي، ويظل جيشًا قويًا ومستعدًا في أي وقت.
لقد أثبت الجيش العربي الأردني على مر السنين أنه ليس مجرد قوة عسكرية تقليدية، بل هو قوة تساهم في بناء السلام والاستقرار في المنطقة. كما أن بطولات الجيش الأردني لم تتوقف عند معركة الكرامة فقط، بل استمرت في سعيه لحماية مقدرات الأردن ومواجهة المخاطر الإقليمية والعالمية، وبفضل تلك البطولات والتضحيات، أصبح الجيش العربي الأردني رمزًا للكرامة والشجاعة، ويمثل طموحات الأمة العربية في الدفاع عن قضاياها.
وفي ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي، نستذكر التضحيات الجسام التي قدمها جنود الجيش الأردني، وكذلك حكمة القيادة الهاشمية التي جعلت من هذا الجيش قوة حامية ومصيرًا مشتركًا للأمة العربية، إن تعريب قيادة الجيش العربي لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل كان بداية لتأسيس جيش قوي ومستقل، قادر على حماية الوطن وحمل راية العروبة، وقد استمر الجيش في تأدية هذا الدور حتى يومنا هذا تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، ليظل درعًا واقيًا للأردن والأمة العربية.