ماذا بعد إدراك دوائر القرار ضرورة التخلص من التبعية؟... الزغول يجيب "أخبار الأردن"

قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمد الزغول إن النظام السياسي العربي يمرّ بمرحلة تحوّل جذري ومعقّد فرضته مجموعة من التفاعلات الإقليمية والدولية التي أفرزت واقعًا متغيّرًا يُلقي بظلاله الكثيفة على آليات التفاعل العربي، فبعد عقود من الارتكاز على سياسات تقليدية ثابتة أضحت هذه السياسات عاجزة - بل وقاصرة - عن مواجهة متطلبات المرحلة الراهنة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الوضع الراهن يُحتم على صُنّاع القرار في العواصم العربية إعادة قراءة المعادلات القائمة، ليس من منطلق الاستجابة الانفعالية للأحداث، وإنما عبر تبنّي مقاربة استراتيجية متقدمة تعكس إدراكًا عميقًا لتحولات النظام الدولي وتبدّل مراكز الثقل الإقليمي.

وبيّن الزغول أن انحسار الفاعل الميليشياوي يبرز واحدًا من أكثر التحولات البنيوية تأثيرًا في إعادة تشكيل موازين القوى في الإقليم، إذ إنَّ الدور الذي اضطلعت به الأذرع المسلحة غير النظامية، والذي كان يُستخدم كأداة لتحقيق النفوذ الإقليمي، بات يواجه تآكلًا واضحًا بفعل الضغوط العسكرية والسياسية المتزايدة، مضيفًا أنه من اللافت أنَّ النفوذ الإيراني - الذي ظلّ لعقود يُشكّل تحديًا للأمن القومي العربي - قد أصبح عرضةً للانكماش بفعل مزيج معقد من الضغوط الخارجية والتململ الداخلي.

وأشار إلى ان هذا الانحسار يُحتم على الفاعلين العرب إعادة تموضعهم الاستراتيجي بشكل يأخذ في الحسبان تآكل قدرة إيران على فرض الهيمنة بالوكالة، في مقابل صعود محاور عربية تُعيد صياغة التوازنات في الإقليم.

واستطرد الزغول قائلًا إنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنَّ هذا التحوّل انعكس أيضًا على المزاج الشعبي في العالم العربي، إذ نشهد في هذه اللحظة تلاحمًا نادرًا بين الشارع العربي والنظام الرسمي في رفض المشاريع العابرة للحدود التي تستهدف تقويض السيادة الوطنية، مبينًا أن هذا التلاقي بين الإرادتين الشعبية والرسمية يُمثّل تحوّلًا نوعيًا يعكس تنامي الوعي الجمعي بأهمية الحفاظ على الاستقرار الداخلي كحائط صدّ أمام محاولات الاختراق الخارجي.

ولفت الزغول الانتباه إلى أنَّ المعضلة الكبرى التي تُواجه النظام السياسي العربي تتمثل في قصور آليات العمل العربي المشترك عن مواكبة التطورات المتسارعة، فهذه الآليات - التي تأسست في سياقات مغايرة - باتت عاجزة عن تقديم استجابات ديناميكية تتسم بالسرعة والفاعلية، مضيفًا أن التراكمات البيروقراطية التي تشوب مؤسسات العمل العربي حالت دون قدرة الدول العربية على تطوير مقاربات جماعية للتعامل مع الأزمات العابرة للحدود.

ونوّه إلى أنَّ الدعوة إلى تأسيس نظام عربي جديد ينظر إليه على أنه ضرورة استراتيجية فرضتها تحولات البيئة الدولية والإقليمية، فمن غير الممكن مواجهة المشاريع الإقليمية التوسعية أو التصدي للاختراقات الخارجية في غياب إطار مؤسسي متطور قادر على استيعاب التحولات المتسارعة، مع ما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في خريطة الفاعلين، وفي آليات العمل والقواعد الحاكمة للتفاعلات العربية، فالنظام العربي - في شكله الحالي - لا يزال أسيرًا لمقاربات جامدة تُعطّل قدرته على ممارسة الفاعلية الجيوسياسية، وهو ما يفرض إعادة هيكلة شاملة تعكس واقعًا أكثر تعقيدًا وتشابكًا.

وإذا كان من شيء يُميّز هذه المرحلة، فهو التحوّل من منطق التبعية إلى منطق الفاعلية، فالدول العربية لم تعد تقبل بأن تكون مجرد ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، وهو ما يظهر في إعادة صياغة علاقاتها الخارجية استنادًا إلى استقلالية القرار السيادي، ليعكس هذا التحوّل فهمًا عميقًا بأن الفراغ الاستراتيجي يُمكن أن يُغري الأطراف الخارجية بالتدخل وفرض أجنداتها.