رسائل مهمة أظهرها الأردن لدى زيارة الشرع

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور بدر الماضي إن زيارة رئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع للأردن تندرج ضمن سياق سياسي ودبلوماسي بالغ التعقيد والحساسية، إذ تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية تتجاوز إطار اللقاء البروتوكولي إلى تأسيس مرحلة جديدة من إعادة التموضع الإقليمي، في ظل تحولات جيوسياسية غير مسبوقة.

الرمزيات السياسية

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه لا يمكن فهم هذه الزيارة بمعزل عن الأطر الرمزية التي تُحيط بها، والتي تتجاوز البعد الثنائي إلى إرساء قواعد جديدة في هندسة التحالفات الإقليمية، ففي المقام الأول، تبرز هذه الخطوة كإشارة ضمنية إلى إعادة تأهيل النظام السوري سياسيًا، بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية، ما يمنحه غطاءً شرعيًا يعزز من فرصه في استعادة مكانته ضمن المنظومة العربية.

وأشار الماضي إلى أن حفاوة الاستقبال الملكي، بدءًا من استقبال الرئيس السوري عند سلم الطائرة إلى مرافقة الملك شخصيًا له في السيارة نحو مكان الاجتماع، تُعبّر عن رسائل بروتوكولية متعمدة تُوحي بمستوى غير مسبوق من الانفتاح الأردني تجاه النظام السوري، بما يُشير إلى تحوّل استراتيجي في المقاربة الأردنية تجاه دمشق، مدفوعًا باعتبارات أمنية وسياسية متداخلة.

المصالح الأردنية واستراتيجية التوازنات

ونوّه إلى أنه لا يمكن قراءة الموقف الأردني إلا من خلال عدسة الحسابات الاستراتيجية الدقيقة، حيث يُدرك الأردن أن استقرار سوريا ضرورة حتمية لضمان أمنه القومي، في ظل تداخل ملفات أمن الحدود وتهريب المخدرات وتدفق اللاجئين.

واستطرد الماضي قائلًا إن هذه الزيارة تُشكل جزءًا من استراتيجية أردنية تهدف إلى تعزيز التوازنات الإقليمية في مواجهة تصاعد النفوذ الإسرائيلي، خاصة بعد العدوان على غزة وما أفرزه من تآكل في مصداقية إسرائيل كشريك للسلام، إذ يبدو أن الأردن يسعى إلى بناء تحالفات أكثر اتساعًا تشمل السعودية، وتركيا، وسوريا، بهدف تحييد أي محاور إقصائية قد تُعيد تشكيل المنطقة بما يُهدد المصالح الأردنية الجوهرية.

ولفت الانتباه إلى ما تمثله هذه الزيارة كأحد مؤشرات التحولات العميقة في معادلات القوى الإقليمية، إذ تأتي في لحظة فراغ استراتيجي خلّفه الانكفاء الأمريكي عن الشرق الأوسط، ما منح القوى الإقليمية (وتحديدًا السعودية وتركيا) مساحة أوسع لقيادة المبادرات الدبلوماسية، ليبرز الأردن كلاعب وسيط ومحوري قادر على إعادة تدوير العلاقات بين سوريا والمنظومة العربية، مدعومًا بشرعيته الدولية وصلاته الوثيقة بالعواصم الغربية. 

وتابع أن هذا التقارب يشير إلى محاولة لملء الفراغ الناجم عن انحسار الدور الإيراني في سوريا ولبنان، في ظل تآكل نفوذ طهران بفعل الضغوط الاقتصادية والعسكرية.

المصالح السورية وضرورة الانفتاح الإقليمي

بالنسبة لسوريا، تأتي هذه الزيارة في سياق محاولة فك العزلة الإقليمية واستعادة الاعتراف الدولي بشرعية النظام الجديد، فبعد أن حصلت دمشق على غطاء إقليمي مهم من أنقرة والرياض، تسعى الآن إلى توسيع شبكة تحالفاتها لتشمل الأردن، بوصفه بوابة أساسية للعودة إلى المشهد العربي والدولي، وفقًا لما صرّح به الماضي بصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

وذكر أن النظام السوري يُدرك أن الانخراط الإيجابي مع دول الجوار، لا سيما الأردن، يُسهم في تخفيف الضغط الاقتصادي عبر تسهيل حركة التجارة والطاقة، فضلًا عن الاستفادة من الخبرة الأردنية الدبلوماسية في التواصل مع العواصم الغربية، مما يعزز فرص إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

وقال الماضي إن هذه الزيارة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون المؤسسي بين الأردن وسوريا في ملفات حيوية تتراوح بين أمن الحدود ومكافحة التهريب، وصولًا إلى قضايا الطاقة والمياه وإعادة اللاجئين.

وفي هذا الإطار، يُتوقع أن تؤدي ديناميكيات التقارب إلى تعزيز التنسيق الأمني المشترك لمواجهة التحديات العابرة للحدود، مثل تهريب المخدرات الذي بات يُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الأردني، كما يُمكن أن يُسهم تطوير التعاون الاقتصادي في تخفيف الأعباء الاقتصادية عن الطرفين، لا سيما في مجالات الترانزيت والطاقة، ما يعكس رغبة مشتركة في تجاوز إرث القطيعة، كما قال ماضي لصحيفة "أخبار الأردن".

واختتم حديثه بالقول إن هذه الزيارة تتجاوز حدود اللقاء الثنائي إلى إعادة صياغة المعادلة الإقليمية عبر بناء تكتل سياسي قادر على تحقيق توازن استراتيجي في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لفرض معادلة الهيمنة.