العثامنة يكتب: المراجعة الذاتية المطلوبة وحالا
مالك العثامنة
نوفمبر من عام 2023، أي بعد شهر ونيف من أحداث السابع من أكتوبر، كنت ضمن نخبة محترمة من الذوات نلتقي السيد محمد نزال عضو المكتب السياسي لحماس في العاصمة الأردنية- عمان.
كانت تداعيات السابع من أكتوبر ما تزال تتدحرج ككرة ملتهبة، ولقاء مثل هذا اللقاء كان مهما وحيويا في تلك اللحظة للبحث عن أجوبة لكثير كثير من الأسئلة.
مما قاله القيادي الحمساوي حينها إن قيادات حماس كانت تعرف مسبقا أن هناك عملية نوعية كبيرة بحجم ما حدث في السابع من أكتوبر ستحصل، لكن ساعة الصفر هي التي لم يعرفها المكتب السياسي وتم تركها للجناح العسكري للحركة ضبطا وتخطيطا وتوقيتا.
وتحدث الرجل عن كثير لكن الإجابات على الأسئلة لم تكن متوفرة لديه على ما يبدو، وكان حضوره كخط دفاع أولي عن حماس والعملية. لم يكن واضحا دور إيران وحزب الله بقدر ما كان هناك تلميح واضح أن إيران لم تكن متورطة بشكل مباشر في العملية، لكنها كانت دوما تقدم الإسناد للمقاومة في غزة.
كان الخراب قد بدأ في غزة، والقتل والتدمير على أشده في القطاع المكلوم والمتخم بأكبر كثافة سكانية في العالم، لكنّ القيادي الحمساوي لم يتحدث عن تبعات ونتائج عملية السابع من أكتوبر، وبقيت جمله وعباراته تدور في فلك إنشائيات المقاومة والتحرير.
قبل أيام، وفي الرابع والعشرين من شباط (فبراير) الحالي الذي نودعه الآن، نشرت نيويورك تايمز حديثا لقيادي آخر في مكتب حماس السياسي، وهو السيد موسى أبو مرزوق. (وهو رئيس أسبق للمكتب السياسي للحركة).
أبو مرزوق قال إنه لم يتم إبلاغه مسبقا بمخططات محددة عن عملية السابع من أكتوبر. وأضاف– وهذا لافت جدا ومهم- أنه لم يكن ليدعم الهجوم لو علم بكل هذا الخراب في غزة.
تلك مراجعة مهمة، ويمكن البناء عليها سياسيا من قبل الحركة نفسها وبعمق. لكن الأهم هو أن تلك المراجعة كانت متأخرة جدا، وكلفة التأخير تجاوزت بكثير القتلى والضحايا والبنية التحتية لقطاع بات أشبه بردم هائل، ربما أكبر منطقة منكوبة بالردم والأنقاض في العالم. وهو ما يجعل رئيسا مثل الرئيس ترامب يفكر بتلك الجغرافيا كحالة تجارية تصلح للتطوير العقاري بدون أي اعتبار للبشر المنكوبين.
الأكثر كلفة كان في المواقف السياسية التي تم رشقها بعبث لاعتبار ما حدث "انتصارا" وهذه متاهة ذهنية خطيرة تجعل من لا يرى "الانتصار" حالة تخوين. وهو ما أدى إلى انقسامات مجتمعية خطيرة لا في الأردن وحسب، بل في العالم العربي المتعاطف بالضرورة "بكل مستوياته" مع الإنسان الفلسطيني.
لا وقت للتلاوم والعتب اليوم، لكن تصريحات أبو مرزوق تجعل الحركة أمام استحقاق سياسي وإنساني وأخلاقي مهم بتقديم مراجعة ذاتية مبنية على الواقع، والواقع فقط، بدون إنشائيات لفظية وخطاب خشبي كلفة الاستمرار فيه ستكون باهظة كما كانت دوما.