تفجيرات تل أبيب... بين صمت المقاومة ونوايا الاحتلال

قال خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور إن التفجيرات التي ضربت تل أبيب تمثل حدثًا مفصليًا، يثير تساؤلات معمّقة حول هوية الفاعلين، وأبعاد التوقيت، ودلالات التعتيم الإعلامي المفروض على تفاصيل العمليات.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن عدم إصدار أي جهة فلسطينية لتبنٍّ رسمي حتى اللحظة، سارعت السلطات الإسرائيلية إلى فرض حظر نشر، الأمر الذي يعزز فرضية وجود ملابسات غامضة تستدعي التحليل بعيدًا عن الروايات الأولية التي يتم ترويجها في وسائل الإعلام.

وبيّن الأعور أن هذا الحدث يأتي في توقيت بالغ الحساسية، سواء على المستوى الداخلي الإسرائيلي، حيث تتزايد حدة الانقسامات السياسية، أو على المستوى الإقليمي، حيث تتسارع وتيرة التغيرات الجيوسياسية، فمن الناحية الميدانية، لا يمكن النظر إلى التفجيرات بمعزل عن محاولات حكومة نتنياهو إعادة ترتيب الأوراق السياسية، سواء فيما يتعلق بالملف الفلسطيني أو بتوازنات القوى داخل الائتلاف الحكومي الهش، وإذا ما كانت إسرائيل نفسها طرفًا مستفيدًا من هذه التفجيرات، فإن المنطق يقتضي أنها كانت ستلجأ إلى عملية محدودة ذات طابع رمزي، كتفجير عبوة ناسفة خفيفة في حافلة مدنية، لتبرير تصعيد عسكري لاحق أو تعزيز القبضة الأمنية في الضفة الغربية، إلا أن تعدد التفجيرات، وحظر نشر التفاصيل، وظهور شخصيات فلسطينية في تسجيلات المراقبة، كلها عوامل تعقد المشهد وتفتح الباب أمام احتمالات أكثر تعقيدًا.

ولفت الانتباه إلى أن حظر النشر لطالما شكل أداة تلجأ إليها المنظومة الأمنية الإسرائيلية في حالات محددة، إما عندما يكون هناك خلل استخباراتي يتوجب احتواؤه قبل تسريب المعلومات، أو حين يتم العمل على صياغة رواية رسمية تخدم الأهداف السياسية للحكومة، وفي الحالة الراهنة، قد يعكس هذا التعتيم الإعلامي أمرين متداخلين: الأول، وجود فجوة استخباراتية دفعت السلطات الإسرائيلية إلى التريث قبل الإعلان عن تفاصيل العملية، خشية الكشف عن اختراق أمني كبير؛ والثاني، أن الرواية المتاحة حتى الآن لا تتناسب مع الأهداف السياسية لحكومة نتنياهو، التي تسعى لإدارة التصعيد مع الفصائل الفلسطينية وفق إيقاع مدروس يخدم أجنداتها الداخلية والخارجية.

ونوّه الأعور إلى أن غياب أي بيان رسمي من حركة حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر، يعزز فرضية أن التفجيرات إما أنها لم تكن مدرجة ضمن الاستراتيجية العسكرية المعلنة للمقاومة، أو أن الحركة اختارت الصمت كتكتيك سياسي يسمح لها بمراقبة ردود الفعل الإسرائيلية والدولية قبل اتخاذ موقف واضح، مضيفًا أنه من غير المستبعد أن يكون هذا الصمت يهدف إلى إرباك الحسابات الإسرائيلية، خاصة إذا كانت التفجيرات تحمل طابعًا تحذيريًا أكثر من كونها هجومًا يستهدف إيقاع خسائر كبيرة.

نحو أي سيناريو تتجه التطورات؟

واستطرد قائلًا إن السيناريوهات تتراوح بين احتمالات متعددة، تبدأ من فرضية أن تكون التفجيرات رسالة فلسطينية محسوبة بعناية تهدف إلى إظهار قدرة المقاومة على إحداث تغيير في قواعد الاشتباك، دون الذهاب إلى مواجهة شاملة، ولا تنتهي عند احتمال أن يكون الحدث جزءًا من لعبة داخلية إسرائيلية تهدف إلى تهيئة المسرح لتصعيد أمني واسع النطاق في الضفة الغربية، بما يخدم أجندات اليمين المتطرف.

واختتم الأعور حديثه بالقول إن هذه التفجيرات، بغض النظر عن هوية منفذها، قد شكلت نقطة تحول في المشهد الأمني الإسرائيلي، وأعادت ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية على نحو قد يدفع بالمنطقة إلى جولة جديدة من عدم الاستقرار، في وقت تعيش فيه إسرائيل واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا على المستويين الداخلي والخارجي.